يمكن الرد على المنطق الذي اعتمده الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وجميع مسؤولي الحزب الذين تعاقبوا على ابراز مواقفهم في الايام القليلة الماضية في شأن اشاعة اجواء حتمية حول معركة في عرسال وجرودها على الاقل بذرائع مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بما لا يختزل دور الحزب. اذ ان المنطق البديهي الذي ينطلق من انه لم يكن على الحزب في الدرجة الاولى ان يتورط في الحرب السورية تجنباً لاستدراج لبنان الى حرب على أرضه، فيما كان ذهب هو ودعا الآخرين الى الذهاب للاقتتال في سوريا، يمكن ان يستتبع بأن اللبنانيين قد يدعمون على الارجح وقوف عناصر الحزب وراء الجيش اللبناني على طول الحدود مع سوريا اذا اقتضت موجبات الدفاع عن حدود لبنان وابنائه، ذلك في الوقت الذي قد يعاضد الجيش والحزب معا جميع اللبنانيين من كل الطوائف متى كانت القضية كما يصوّرها السيد نصرالله، وليس بناء على حسابات تتعلق باجندته المحلية والاقليمية التي هي موضع شك من قسم كبير من اللبنانيين.

لكن الواقع ان المشكلة ليست في المنطق. اذ تقول مصادر سياسية ان المشكلة الحقيقية تكمن في المعادلة التي تفيد بأن احتمال انتصار "حزب الله" في سوريا، اي احتمال بقاء النظام، كان سيرتد على لبنان بحيث لن يكون في الامكان ضبط الحزب ومحاولة تسييل انتصاره في الداخل، وكذلك الامر بالنسبة الى احتمال خسارته بحيث ان تحوّل هذا الاحتمال الاخير واقعاً لا يقل خطورة بالنسبة الى الوضع في لبنان عما هي الحال بالنسبة الى احتمال انتصاره. فالصورة الاجمالية لا يجب ان تؤخذ في تفاصيلها اليومية وجزئياتها على رغم أهمية ما تعبر عنه هذه التفاصيل بل في كليتها. والمعادلة نفسها تنسحب على واقع ان انتصار النظام في سوريا سيرتد على لبنان على نحو ليس في مصلحته ككل وليس في مصلحة طرف او آخر، كما ان انتصار المعارضة، وتغير النظام ليس مضمونا ان يؤديا الى الا يطمع أي حكم جديد بلبنان كما كانت الحال دوما مع سوريا التي تعتبر لبنان ملحقا او جزءا منها منذ الاستقلال وما قبله. وبالعودة الى التاريخ حتى الاستقلال فان سوريا لم ترض عن لبنان لمجرد انه ذهب يطالب بالجلاء عنه في الخارج قبل ان تفعل سوريا.

بالنسبة الى الحزب فان ثمة عاملين على الاقل لا يوحيان بانه في وضع جيد: أحدهما هو رد الفعل الذي قامت به المملكة العربية السعودية في اليمن بغضّ النظر عن امكان اعلان انتصارها من عدمه، علما انه يمكن دوما أي فريق ان يعلن انتصار مقاومته وفق تجارب التاريخ ازاء عجز الدول. وهذا سرى على الحزب في كل معاركه مع اسرائيل. فخروج المملكة من سياستها البعيدة عن الدخول في المعارك لم يضع حدا للطموح الايراني خصوصا في اتجاه اليمن فحسب، بل ان المعنويات التي تأتي من التغيير في السياسة السعودية الاقليمية انعكست ميدانيا في سوريا على نحو كبير بحيث تكشف معلومات وثيقة ان اتصالات اقليمية ودولية تجرى بكثافة من اجل الحؤول دون تقدم اقوى للقوى المعارضة على الارض بما قد يؤدي الى انهيار النظام في وقت لا تنتظره ولا تبدو الدول الكبرى مستعدة له. بل هي باتت تعمل على تأمين وقوفه بالحد الادنى حتى يحين موعد تحضير الظروف لعملية سياسية انتقالية كما تود الابقاء على هيكلية الدولة السورية ولا تود انهيارها. وعلى عكس كل ما سرى منذ اربع سنوات حتى الآن على هذا الصعيد من تنبؤات وتوقعات بانهيار النظام، فان مراجع دولية واقليمية باتت تجزم بان هذا الانهيار بات محتّما ويتم العمل على تأخيره راهناً من خلال السعي الى تأجيله في الوقت الذي يتخطى انقاذه قدرة "حزب الله" وامكاناته. كما ان الواقع يقتضي الاعتراف بانه سيكون صعباً لا بل مستحيلاً ان يستمر العلويون في حكم سوريا أياً تكن الصيغة التي ستنتهي فيها الحرب هناك. فهذا غدا من المستحيلات في ظل ما آلت اليه الحرب وطبيعتها. لكن ينقل عن المراجع الاقليمية نفسها انه رغم كل هذه التطورات، تبقى سوريا عصية على ان تكون على جدول الاولويات الدولية لما تبقى من السنة الحالية ما لم يطرأ ميدانيا ما يجعلها كذلك، مما يرجح ترحيل البحث عن حلول لما تواجهه بما فيه حل المرحلة الانتقالية الى ما بعد هذه السنة التي يستغرقها على أي حال الاتفاق النووي الايراني من جهة ومواجهة تنظيم الدولة الاسلامية من جهة اخرى.

وهذا الواقع يدركه الحزب جيداً. كما انه ليس من المستبعد ان يكون بات يخشى وفي ضوء الاندفاع السعودي الذي ترجم في اليمن وفي سوريا ان ينسحب في اتجاهه، وفق ما اشار السيد نصرالله في خطابه. وهو حاول تحفيز ابناء الطائفة الشيعية استنادا الى اثارة هذه المخاوف. ولذلك ينظر الى تصعيد السيد نصرالله اخيراً بناء على المعطيات المذكورة انطلاقاً من ان أي خيارٍ يواجهه الحزب في سوريا، خسارة أو انتصاراً، يخشى ان يرتد على لبنان من اجل محاولة تسييل الانتصار او تعويض الخسارة. وفي الحالين يتوقع ان يكون الأمر صعباً على لبنان.