بلعبة دوراتٍ محنّكة أسقط مايسترو عين التينة أضغاث أحلام 14 آذار المختبئة في بكركي التي سارعت الى التنصّل منها كي لا يُلمَّح ذات يوم الى أنها كانت الطرف رقم 66 في انتخاب رئيس لم يشارك في صُنع حكمه نصف المجلس إلا نائبًا واحدًا.

لن تمرر 8 آذار ما تنظر اليه على أنه “بدعة” على المستوى الدستوري وحركة نكائيّة على المستوى السياسي، فيما يتمسّك به طارحوه من فريق 14 آذار على أنه خشبة خلاص لإنهاء الشغور المُستفحِل في البلاد، مستغلّين “وهن” الدستور الذي يشرّع الأبواب على الكثير من الاجتهادات المرتبطة بنصابٍ غير محسومٍ في إحدى مواده.

خسارة بعد خسارة

“قوطب” برّي على الجميع فأسرّ في آذان زوّراه بأن “الثلثين” باقٍ. بدد الرجل هواجس الكثيرين من المعترضين يتقدمهم المسيحيون الذين يتوقّعون بعد أعوام انتخاب الرئيس “بما تيسّر” من الأصوات بذرائع مختلفة تطيح الدستور “بالحلال”، حينها “يفلت الملق” ويخسر الرئيس فوق صلاحياته “المنهوبة” امتياز ترفّع انتخابه عن التشريع العادي أو تشريع الضرورة “البدعوي”. لا يستنظفها هذا الفريق المعترض، ورغم أنه لا يعيرها أهميّة ليقينه بأنها ردٌّ صريح واستعجالي على المبادرة البرتقالية وبأنها تحمل طرحًا “يوتوبيًا” لا يقلّ “يوتوبيّة” عن ذاك الذي حملته الرابية وجالت به باسم الشعب على مختلف الأفرقاء. ومع ذلك، لا يتردّد بعضهم في طرح السؤال الجدلي: كيف تجرّأ هؤلاء النواب على طرحٍ مماثل وهم لا يضمنون نزول 65 نائبًا للتصويت؟ الجواب سرعان ما يقفز الى أذهانهم عندما يفكّرون بأن من خصائل بكّ المختارة “التلوّن” ومن اختصاصه مفاجأة الجميع بطروحٍ منها أغلب الظن ضوء أخضر لجماعة نواب 14 آذار والمستقلين المسيحيين بالمضي في طرح “النصف زائد واحد” كبالون اختبار على أن “يباركه” الرجل متى أبصر النور على صعوبته.

دستوريًا...

بعيدًا من البلبلة السياسيّة التي كادت تورّط بكركي نفسها لولا تلقّفها، ما مدى دستوريّة انتخاب الرئيس بالنصف زائد واحد؟ وما هي الأسباب التخفيفية التي “تشفع” بطارحيه من دون أن يُرموا بتهمة “التجديف الدستوري” والاستهانة بموقع الرئاسة؟ يؤكد المرجع الدستوري والقانوني بول مرقص لـ “​صدى البلد​” أن “المادة 49 من الدستور التي تحدّد كيفية انتخاب الرئيس لم تأتِ على ذكر نصاب Quorum بل اكتفت بذكر الأكثرية حيث نصّت على أكثريّة الثلثين في الدورة الأولى والأكثرية العادية في الدورات التي تليها. وفي ظلّ عدم نصّ المادة المذكورة على نصاب والاكتفاء بالأكثرية نعود في العلم الدستوري الى مصادر ثلاثة لتبيان النصاب المطلوب: المصدر الأول يكمن في الدستور عينه حيث أن المادة 34 تنصّ على نصابٍ عادي لانعقاد المجلس النيابي في ما خلا بعض الأوضاع التي تقتضي نصابًا موصوفًا كتعديل الدستور في المادة 79 وسواها من الحالات التي تتطلّب نصاباً مرتفعًا. أما المصدر الثاني فهو الممارسة الدستورية التي دأبت على نصاب مرتفع في ما خلا بعض الانتخابات الرئاسية والتي تطلبّت كما في العام 1970 دورات متتالية فاز بمقتضاها الرئيس بفارق صوتٍ واحد ودونما الثلثين. وأخيرًا، المصدر الثالث هو نصّ الدستور الفرنسي الذي اقتُبِس منه الدستور اللبناني لعام 1875 حيث لم يرد نصابٌ في المادة الثالثة منه التي اعتبرت أن المجلسيْن من المفترض والبديهي أن يكونا منعقدين من دون حاجة الى نصاب”.

نصابٌ موصوف

ويخلص مرقص الى أن “المشترع الدستوري لم يأتِ على ذكر صريح للنصاب لاعتبار أن المجلس لا محال يكون منعقدًا وإذا لم ينعقد فقد نصّت المادة 74 منه على انعقاده حكمًا وفورًا، وبالتالي انصرفت نيّته الى ضرورة توافر نصاب موصوف وليس نصابًا عاديًا ما لم تستحكم الأحوال كما وصلنا اليوم لتعذر انتخاب الرئيس، فترك الباب مفتوحًا أمام النصاب العادي استثناءً وخروجًا عن قاعدة نصاب الثلثين، حتى لا تفرغ الرئاسة من شاغلها”. ولكن هناك خشية مسوّغة من أن يصبح ذلك عرفًا في السنوات المقبلة، إذ من غير المنطقي أن ينتخب نصف المجلس رئيسًا في ظلّ اعتراض نصفه الآخر؟ يتلقف مرقص: “فلنعكس الآية: أيُعقل أن يُترك لـ34 نائبًا أي الثلث بأن يعطلوا انتخابات الرئاسة الى ما شاؤوا؟ الأكيد أن النصاب لا يمكن أن ينخفض ما دون النصف زائد واحد لأن هناك نصًّا صريحًا بذلك”.

كلّ الاحتمالات

كما أعاد عون إحياء مبادرته الرئاسيّة فعلت 14 آذار في الصرح الذي سبقها اليه بساعاتٍ وفدٌ برتقالي. ليس وحده الصرح ما يجمع الطرحيْن بل التضعضع الدستوري الذي يدفع بمناهضي طرح الرابية الى وضعه في خانة “الانقلاب” على الدستور والطائف، ومعارضي طرح 14 آذار الى وضعه في خانة البدع الدستورية التي لا تنضب في بلادٍ تشرّع مؤسساتها، حتى الرئاسية منها، على كلّ الاحتمالات.