لا يختلف اثنان على أن صمود الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، على مدى خمسين شهراً ونيف، ومواجهتها لهذه الحرب الكونية التي وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 80 دولة تضخ المال والمرتزقة، وتحشد كل الإمكانيات؛ من إعلام ومال، ومواقع تواصل اجتماعي، بالإضافة إلى تسخيرها المنظمات الدولية والإقليمية، كحال الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وما يسمى لجان حقوق إنسان تشرف عليها واشنطن والغرب، لمهمة إسقاط سورية، مثير لإعجاب الأقربين والأبعدين، وحتى لكثير من الأعداء الذين يمتلكون البصيرة والرؤية والعقل السليم.

في هذه الحرب الهمجية التي استُحضرت فيها كل حروب المرتزقة، وحروب الظلمات، وكل صراعات وحروب التكفير عبر التاريخ، وكل الفظائع؛ من القتل الجماعي، إلى التدمير لكل قيم الحضارة والتراث، وحرق المكتبات وسرقة النفائس، إلى أعمال السلب والسبي والنهب والاغتصاب، وتوظيف أعلى ما بلغته التكنولويجا والتطور العلمي، بالإضافة إلى كميات المال المذهلة التي ضُخّت، حيث إن أمير قطر السابق أعلن في الأشهر الأولى من الأزمة السورية عن استعداده لضخ مئة مليار دولار لوحده من أجل هزيمة سورية وبشار الأسد، ناهيك عن المليارات التي ضختها خزائن مشيخات الخليج، وفي مقدمها مملكة الذهب الأسود، من أجل مهمتهم التلمودية، بالإضافة إلى سخاء الأثرياء والمتمولين الذين جمعوا مالهم من حرام من أجل هذه المهمة، فشكلوا الجمعيات والمنظمات التي انطلقت زوراً وبهتاناً تحت أعمال الخير والإغاثة، وهي في حقيقتها لها مهمة واحدة؛ شراء الذم والضمائر، ودعم الإرهابيين والتكفيريين..

لا شك أن لإصدقاء سورية وحلفاءها دوراً هاماً وبارزاً في الصمود السوري الأسطوري، لكن أمام هذه اللوحة ثمة أسئلة قد يكون ضرورياً توجيهها إلى أصدقاء وحلفاء دمشق:

ما معنى تلك العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تبلغ عشرات وربما مئات ملايين الدولارات مع تركيا، بشكل صار يشكل رافعة للانكشاري رجب طيب أردوغان، وخشبة خلاص له تمنعه من الوقوع في أزمة اقتصادية واجتماعية، وإذا ما قيل إنها الممر الوحيد لتوريد البضائع والسلع والنفط والغاز إلى أوروبا، فهل يمكن أن نتلقى جواباً على الصراخ الأوروبي العالي بوجه الأميركيين أن عقوباتهم على روسيا وإيران أخذت تضر بالمصالح الاقتصادية للغرب؟

هل صحيح أن عدم إشهار موسكو لـ"الفيتو" في مجلس الأمن بوجه القرار الخليجي ضد اليمن، كان مقابل وعد سعودي بتخفيض إنتاجها النفطي، من أجل عودة الأسعار إلى الارتفاع، مع العلم أن كل المعلومات كانت متوافرة لدى العواصم الصديقة لدمشق أن "عاصفة الحزم" السعودية ستترافق مع "عواصف حزم" في جنوب وشمال وشرق سورية؛ في الجنوب تتحرك العصابات التكفيرية بدعم "إسرائيلي" وأردني من أجل إقامة حزام آمن يمتد من الجولان المحتل حتى ريف دمشق، وقد شاهدنا فصولاً من ذلك في تهيئة الأردن للإرهابيين للاستيلاء على معبر نصيب، لكن الجيش السوري ببسالة نادرة أحبط المشروع في ريفي درعا والقنيطرة.

أما في الشمال، فإن "عاصفة حزم" تركية شُنَّت، حيث وفرت أنقرة لآلاف الإرهابيين من جنسيات غير سورية، بالإضافة طبعاً إلى آلاف الإرهابيين الموجودين في سورية وتركيا، فكان التمدد إلى إدلب وجسر الشغور وتدمر، والذي ترافق مع تمدد في العراق والسيطرة على الأنبار والرمادي بتواطؤ فاضح ومكشوف من البرازاني وأردوغان وبعض الخونة في الجيش العراقي.

أما لجهة الشرق، فإن الخطة كانت تقضي بتمدد العصابات الإرهابية من جرود السلسلة الشرقية للبنان شرقاً نحو الداخل السوري، وغرباً نحو البقاع الشمالي وصولاً إلى الشمال، لكن الكي العظيم الذي قام به رجال المقاومة والجيش السوري كان فاعلاً وحاسماً، وضرب هذا المشروع مقتلاً عظيماً، بشكل سيجعل منطقة القلمون كاملة في أمان، وبدأ الحديث واسعاً عن عودة مدينة الزبداني إلى كنف الدولة الوطنية السورية، لأن الانهيارات التي مني بها المسلحون في القلمون حررت أهالي الزبداني من عقدة الخوف، فرفضوا استقبال المجموعات المسلحة الهاربة من القلمون، في الوقت الذي تعيش المجموعات المسلحة في المدينة حالة قلق وخوف وارتباك، مما يجعلها تفتش عن وسائل للهروب، في الوقت الذي أخذت تتقدم مساعي المصالحة الوطنية، حيث هناك لجنة لهذه المهمة بدأت تفعل نشاطها ودورها، من خلال الاتصالات أو الندوات والمحاضرات التي تبيّن أهمية هذه المصالحة، مما بدأ يؤثر على أعداد كبيرة من المسلحين أخذت تفكّر بالعودة إلى الدولة الوطنية السورية، ورمي السلاح، ما يعني أن بعد وقت قرب ستصبح هذه المنطقة آمنة تماماً حتى دمشق.

قد يكون ضرورياً هنا ما أشرنا إليه في بداية شهر نيسان الماضي، من أن قادة ميدانيين سوريين كانوا يتحدثون عن هذه الخطط والمشاريع الشيطانية، وتحدثوا عن اختراقات واسعة محتملة في محاولة للاستفادة من الحرب السعودية على اليمن، وتلكؤ موسكو بعدم رفع الفيتو في مجلس الأمن، والحاجة الأميركية - الإيرانية للوصول إلى اتفاق تبين أنه حاجة أميركية أكثر، وبهذا لم يكلف حلفاء واشنطن أنفسهم عناء السؤال عن إصرارها على التفاوض مع الإيراني، فاندفع السعودي للتبرّك بفرنسوا هولاند، والتوسّل إلى الروسي.

بالتأكيد لن تنتهي المعارك، والأيام المقبلة ستشهد مفاجآت من الرقة إلى إدلب وحلب..

نصحية للجميع، خصوصاً للرؤوس اللبنانية الحامية من حلفاء بائعي الكاز العربي، الانتظار.. لأيام فقط..