"لا مجال لتكرار خطأ الدوحة، ومعركتي اليوم من دون سقف... سأقاوم، ولن أقبل بتكرار الاضطهاد، فإما أربح وإما أخسر، ولن أترك المعركة إلا شهيدًا"..

هي مقاومةٌ من نوعٍ آخر أطلقها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، مقاومةٌ سياسية في وجه ما يعتبره انتهاكاً للحقوق ومصادرة لها، والتي بدت جلية في مقاربة ​الانتخابات الرئاسية​ كما ​التعيينات الأمنية​ على حدّ سواء...

عون مقاوماً!

على خطى المقاومة إذاً، قرّر العماد ميشال عون أن يسير، موجّهاً من خلال ذلك رسالة واضحة المعالم، بحسب ما تقرأ مصادر سياسية مطلعة، فالمقاومة هي أولاً وأخيراً روحٌ وعزيمة ونَفَس، ومن المستحيل بمكان أن يستسلم المقاوِم متى اصطدم بالعقبات والحواجز. من هنا، ترى المصادر أنّ عون أراد القول أنّه يخوض معركة استعادة الحقوق بهذا النَّفَس المقاوِم حتى الرمق الأخير، وأنه بالتالي لن يلين أو يستكين حتى يحقق أهدافه، تمامًا كما أنّ المقاوم في المجال العسكري لا يستسلم على أرض المعركة أياً كانت الصعوبات التي يواجهها، ويضع نصب عينيه خيارين لا ثالث لهما، إما الانتصار أو الشهادة.

تلفت المصادر إلى أنّ هذه الرسالة يوجّهها عون إلى الخصوم، وقبلهم إلى الأصدقاء، ممّن لا يتوانون عن دعوته لتقديم بعض "التنازلات" و"التضحيات"، على غرار القبول بمرشحٍ توافقي رمادي لا طعم ولا لون له، وكأنّ المطلوب إنهاء الفراغ كيفما كان، ولو كان الـ"كيفما كان" هذا سيؤدي إلى فراغٍ أكبر في المضمون، أو على غرار تمرير التمديد لقائد الجيش بذريعة أنّ رئيس البلاد يجب أن تكون له الكلمة الفاصلة في هذا التعيين، وطالما أنّ لا رئيس، فلنُبقِ على التركيبة الأمنية كما هي.

احتلالٌ وأكثر..

كلّ هذه الطروحات لا تساوي الحبر الذي كُتِبت به في قاموس "الجنرال"، تقول أوساط محسوبة على "التيار الوطني الحر"، مشدّدة على أنّ الرجل حازمٌ في النهج الذي ارتآه خلال هذه المرحلة حتى "تحرير" المواقع المسيحية الرئيسية من "الاحتلال" الذي تقبع تحته.

وإذ تشير هذه الأوساط إلى أنّ كلام عون كان واضحًا في هذا السياق، تستغرب بشدّة الجدران المسدودة التي تتعرّض لها كلّ المبادرات التي يتقدّم بها، وكأنّ هناك نوايا مبيتة لدى البعض برفض أيّ طرحٍ للحلّ الحقيقي الجذري، لأنه بالتأكيد سيكون على حساب سارقي الحقوق. وتلفت المصادر إلى أنّ "كلّ الطروحات التي قدّمها الرجل كان يمكن أن تكون مشاريع حلّ، لكنّها رُفِضَت في معظم الحالات قبل الاطلاع على فحواها، وبذرائع واهية بطبيعة الحال، من دعوته لحصر الترشح للرئاسة بشخصه وشخص رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلى دعوته لاستفتاء الشعب والوقوف عند رأيه، خصوصًا بعدما مدّد ممثلوه لأنفسهم بشكلٍ مخالفٍ للقانون ودون العودة إليه باعتباره صاحب الوكالة، مرورًا بإجراء انتخاباتٍ نيابية على أساس قانونٍ عصري تمهّد للانتخابات الرئاسية".

"تذرّعوا تارة بأنّ هذه المَخارج تتطلب تعديلاً دستورياً، وتحدّثوا تارة أخرى عن انتهاكٍ للمبادئ الديمقراطية، وكأنّ الديمقراطية يجسّدها نظامٌ بالٍ مليءٌ بالثغرات القانونية وغير القانونية، وكأنّ الديمقراطية تقضي بأن يبقى مجلسٌ نيابيٌ غير شرعي "إلى ما شاء الله" حتى تتحقق معجزةٌ ما فيتمكن من تحقيق ما عجز عنه طيلة سنوات"، تقول المصادر، وهي تجزم أنّ تكتل "التغيير والإصلاح" لن ييأس على كلّ حال، وسيستمرّ بتقديم المبادرات والطروحات، "حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا"..

ثمرة التفاهم مع "حزب الله"!

ولكن، ماذا قدّم المعترضون على طروحات عون في المقابل؟

تفضّل أوساط "التيار" عدم التوقف طويلاً عند ما سمّي زورًا بـ"المبادرات" التي قدّمها بعض هؤلاء والتي لم تسمن ولم تُغنِ من جوع، وآخرها ذلك الاقتراح الذي وُلِد ميتاً، والذي يقلّص نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى النصف زائداً واحداً، رغم ما فيه من "دفنٍ" للحقوق المسيحية لا مصادرةٍ لها فقط، خصوصًا أنّ السير به يسمح بانتخاب رئيسٍ ماروني بصوت نائبٍ مسيحيٍ واحد، يمكن أن يكون من الحصّة غير الممثلة فعليًا للمسيحيين، و64 نائباً مسلماً.

في المقابل، تدافع مصادر في قوى الرابع عشر من آذار عن نفسها بالقول أنّ كلّ ما تطرحه هو محاولة منها لإنهاء الفراغ القاتل في سدّة الرئاسة، باعتبار أنّ من يدّعي الدفاع عن حقوق المسيحيين عليه بادئ ذي بدء أن يعمل على ملء الفراغ من خلال المساهمة في انتخاب رئيسٍ للجمهورية يتوافق عليه الجميع بأسرع وقت، لا المساهمة في تعطيل النصاب منعاً لإنجاز الاستحقاق. وتستهجن كيف أنّ عون يحارب هذه الأيام لإنجاز التعيينات الأمنية إيمانًا منه كما يقول بضرورة عدم إرجاء الاستحقاقات الدستورية، وكأنّ الاستحقاق الرئاسي الذي يمعن بالمماطلة به ليس أحد هذه الاستحقاقات التي كان يجب أن تُنجَز في موعدها.

برأي هذه المصادر، فإنّ كلّ ما يقدّمه عون من طروحاتٍ بعضها خياليٌ وسرياليٌ لا يجمعها سوى "الطموح المجنون" للوصول إلى قصر بعبدا، وبالتالي فهو مستعدٌ لأيّ شيءٍ يضمن له الجلوس على كرسيّ بعبدا في نهاية المطاف. هي ترى أنّ المعادلة التي طرحها في حديثه التلفزيوني الأخير عملياً ليست "إما أستعيد الحقوق أو أسقط شهيداً"، ولكن "إما أصبح رئيساً أو شهيداً"، وهي تعرب عن اعتقادها بأنّ هذه المعادلة هي من ثمار التفاهم الشهير مع "حزب الله"، بحيث أصبح واضحًا أنّه وبدل أن يجرّ عون الحزب للالتزام بمنطق الدولة، جرّ الحزب عون لانتهاج منطق "الاستقواء" و"فرض الشروط"، وها هو يقول بالفم الملآن: "إما تنتخبونني رئيساً وتعيّنون لي من أريد، وإلا سأفرط الحكومة، بل سأطيّر البلد برمّته"!

عملياتٌ نوعية؟

بغضّ النظر عن القراءات والقراءات المضادة، الأكيد أنّ "المقاومة" التي أعلنها عون حتى استعادة الحقوق من مصادريها جدّية وأكثر..

يدعو العارفون لترقّب "عملياتٍ نوعية" خلال الساعات القليلة المقبلة ستكون باكورة عمل هذه "المقاومة"، على أن يُعتمد "التصعيد التدريجي" من بعدها، خصوصًا بعد فشل سياسة "الهدوء" في تحقيق الغايات المنشودة!