لا يبدي تيار "المستقبل"، في المرحلة الراهنة، أي هامش للتراجع بالنسبة إلى موقفه من الأوضاع في بلدة عرسال البقاعية، قرار المواجهة مهما كان الثمن متخذ على أعلى المستويات، والبعض داخل التيار يتحدث صراحة عن أن مصدره العاصمة السعودية الرياض.

هذا الموقف المستغرب من قبل الكثيرين، في ظل التهديد الإرهابي الحاضر على الحدود، دفع بالأصوات العرسالية المتطرفة للعودة إلى الواجهة من جديد، والإعلان على لسان رئيس البلدية علي الحجيري عن تحضيرات يقوم بها الأهالي لمواجهة "حزب الله"، في حال قرر الدخول إلى البلدة، مع العلم أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لم يتحدث عن هذا الأمر في خطابه الأخير في عيد المقاومة والتحرير.

إنطلاقاً من ذلك، تدعو مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، الجميع إلى العودة إلى نص الخطاب، وتوضح أن الموقف بالنسبة إلى ​جرود عرسال​ كان حاسماً، بأن أهالي بعلبك الهرمل لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد في جرود البقاع، لكن في ما يتعلق بداخل البلدة، التي قد تدخلها الجماعات الإرهابية هرباً من المعارك في الجرود، لم يعلن الأمين العام لـ"حزب الله" إلا أن المطلوب من الدولة اللبنانية أن تحسم قرارها لا أكثر ولا أقل، مختصرة الرسالة الواضحة بقوله: "نحن يا أهلنا في عرسال جاهزون دائماً لأن نمدّ لكم يد الأخوة والمساعدة، لكن على الدولة أن تتحمل المسؤولية".

وتشير المصادر نفسها إلى أن هذا الملف بات من المفترض أن يبحث على طاولة مجلس الوزراء، حيث هناك جلسة اليوم من المفترض أن يطرح ممثلو قوى الثامن من آذار الموضوع خلالها، لتأخذ الحكومة مجتمعة القرار الذي تراه مناسباً، خصوصاً أن ممثل تيار "المستقبل"، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، يعتبر أن البلدة محتلة، وتضيف: "عندما تكون هناك أرض محتلة يكون من الواجب تحريرها لا مهاجمة من يحذّر من الخطر".

من وجهة نظر هذه المصادر، ساهم التيار من خلال مواقفه الأخيرة في تأمين بيئة حاضنة جديدة للجماعات الارهابيّة داخل عرسال، بعد أن كانت البلدة تمر بمرحلة لفظهم نتيجة الممارسات التي يقومون بها بحق أبنائها، والتي أدت إلى مقتل العديد منهم على مدى أشهر دون أن تحرك الأجهزة المعنية ساكناً، وترى أن تلك الجماعات، على عكس ما يحاول "المستقبل" أن يروّج، تعتبر أن المؤسسة العسكرية والحزب واحد، وتذكر بحملات التحريض التي تعرضت لها سابقاً، وتسأل: "هل نسي هؤلاء عمليات القتل التي تعرض لها العسكريون على أيدي الإرهابيين؟"

في الضفة المقابلة، أصبحت الأمور واضحة، لا يمكن التراجع أو التساهل مع أي قرار بالدخول إلى عرسال من جانب الحزب، خصوصاً أن تغطية هذا الأمر سترتد سلباً على التيار في شارعه، وهو يدرك هذا الأمر جيداً، خصوصاً أن بيئته لم تعد تحتمل أي خسارة جديدة، ومن هنا جاء القرار بوضع هذا الأمر على رأس سلم الأولويات.

في هذا السياق، تحذر مصادر نيابية في كتلة "المستقبل" الحزب من "مغامرة" عرسال، وتعتبر أن السيد نصرالله "حرض" أهالي المنطقة خلال حديثه باسم العشائر البقاعية على الدخول في مواجهة مذهبية خطيرة جداً، وتشير إلى أن هذا الأمر ليس سهلاً، بل على العكس من ذلك قد يسبب مشكلة لا تنتهي في عشرات السنوات، وتضيف: "حتى الآن لم ننجح في معالجة أزمة السابع من أيار".

هذا الموقف لا يعني تغطية الارهابيين أو دعمهم، هذا ما تؤكد عليه المصادر "المستقبلية" لـ"النشرة"، وتدعو إلى ترك المسؤولية إلى الدولة اللبنانية والمؤسسات العسكرية، التي من واجبها الدفاع عن الحدود والحفاظ على الأمن الداخلي، وتشير إلى أنها في بداية معركة جبال القلمون السورية أصدرت بياناً واضحاً أكدت جهوزيتها في هذا المجال، وبالتالي لم يكن هناك من داع لمواقف السيد نصرالله التصعيدية، وتقول: "ذهب إلى سوريا هذا شأنه، وهو سيدفع ثمن ذلك لاحقاً، لكن ليس عليه أن يحرض العائلات والعشائر على بعضها البعض".

وتوضح هذه المصادر أن الهدف من ترك الموضوع عند المؤسسة العسكرية تجنب ردة الفعل عند المواطنين، خصوصاً في ظل التشنج المذهبي على مستوى المنطقة، لكنها تشير إلى غياب التطمينات الحالية من قبل أي جهة رسمية أو غير رسمية، وتدعو الأجهزة الأمنية إلى حماية عرسال من أي هجوم قد تتعرض له، سواء كان ذلك من جانب الارهابيين أو من جانب ما يسمى بـ"الأهالي".

هي معادلة خطوط حمراء إذاً، ترمى فيه الكرة عند الأجهزة الأمنية لتقوم بواجبها، قبل تأمين المعدات اللازمة لها، بالرغم من الكلام الكثير عن هبات لم يصل منها إلا القليل القليل، لكن بعيداً عن الأضواء حديث مستمر عن مخارج من الممكن الوصول اليها.