على رغم ان المواقف السياسية والخطابات العالية النبرة تأخذ مداها لجهة رفع سقف المخاوف على الأمن والاستقرار وتضع لبنان على شفير الهاوية، فإن معلومات مصادر عليمة على صلة بشبكة واسعة من العلاقات الخارجية تبدي انطباعات أكثر اطمئناناً الى عدم الرغبة في المخاطرة بتفجير البلد وعدم وجود مصلحة لأي طرف في ذلك أياً تكن التحولات الاقليمية الجارية. بل ان هذه التحولات تشكل حافزا لعدم التضحية بلبنان الذي لا يزال وحده مع الاردن من الدول العربية المتماسكة نسبيا غير دول الخليج العربي على رغم الكم الهائل من التحديات أمام كل منهما. هذه المعلومات تفيد بأن الاستقرار في لبنان لا يزال حاجة ماسة يصعب التلاعب بها او تهديدها وان ما يتردد عن المظلة الدولية التي ارسيت لحماية لبنان منذ ما بعد تفجير بورغاس في بلغاريا والذي وجهت اصابع الاتهام فيه الى "حزب الله" لا يزال ساري المفعول ولم يتغير. لكن ذلك لا يمنع الحاجة الى جرعات تذكيرية في هذا الاطار كما الحاجة الى اتصالات وجهود يبذلها بعض السياسيين الحكماء من اجل عدم انفلات الوضع في لحظة التصعيد المقصود.

ومن هذه الزاوية ينظر الى ان تصعيد المواقف الذي حصل اخيراً في شأن ​عرسال​ من جانب الحزب والتيار الوطني الحر بمعنى احتمال الذهاب الى حرب فيها تحت مسميات مختلفة لن يكون سهلا، من دون ان يعني ذلك استحالته بناء على حسابات ضاغطة، الا انه سرعان ما تبين انه يرمي الى تحقيق اهداف سياسية متعددة تحت الضغط الذي يمارسه الطرفان لكن من دون المخاطرة بنسف الاستقرار من جهة او بنسف الحكومة التي لن تكون اكثر ملاءمة للحزب مما هي عليه اليوم لاعتبارات عدة من جهة اخرى خصوصاً في ظل تعذر او منع اجراء انتخابات رئاسية والاستفادة القصوى من واقع الحكومة الحالية. وينسحب هذا الواقع على كل الكلام الذي يوحي باحتمال الذهاب الى مؤتمر تأسيسي يعاد من خلاله النظر في اتفاق الطائف انطلاقا من انه كما حصل في الفراغ عام 1988 ومن ثم لاحقا عام 2008 واللذين اديا تباعا الى مؤتمري الطائف فالدوحة، ومن هنا التعويل على مؤتمر يتم من خلاله الاتفاق على سلة متكاملة من الامور. الا ان المصادر العليمة تنقل ان النصائح التي تقدم الى المسؤولين اللبنانيين تفيد بضرورة عدم التخلي عن اتفاق الطائف او العمل على نسفه او استبداله بل هي تدعو الى تفعيل العمل تحت سقفه بحيث يمكن ان تؤدي الامور الى لامركزية واسعة جدا والى تفسيرات تحفظ الصيغة التعددية للبنان المتنوع انما بهامش موسع للطوائف او للمناطق. اضف الى ذلك ان الطائف لم ينفذ بكليته ويمكن ان يشكل اطارا او وعاء مناسبا من الصعب الخروج الى شيء بديل منه في ظل الظروف الراهنة.

واذا اخذ في الاعتبار تفتت كل من العراق وسوريا بين سيناريوات يشكل احد حديها التقسيم الواقعي بناء على افول صيغة سايكس بيكو فيما يشكل حدها الاخر قيام دول اتحادية باقاليم متعددة تتمتع باستقلالية نسبية تحافظ على خصوصية الطوائف والمذاهب وتعطي هامشاً واسعاً لما يسمى الحكم الاداري الذاتي، فإن واقع لبنان قد لا يختلف في حال استطاع ان يحافظ على نفسه حتى انتهاء الزلزال الاقليمي الحاصل. فهو من حيث المبدأ يستطيع الا ينتظر ما ستؤول اليه نتائج الحرب في سوريا ويمكن ان تجتمع احزابه وطوائفه على انقاذ لبنان والتوافق على مستقبله بدلا من مرحلة الانتظار الطويل الذي قد يستغرق سنوات، لكن ذلك لا يبدو متاحا نسبة الى ان لبنان لا يزال بدوره ساحة للصراعات الاقليمية ولكنها ساحة رديفة في ظل اشتعال كل من العراق وسوريا والحاجة الى لبنان مستقر لاعتبارات متعددة.