اين يقع مكمن الخطر على لبنان بعد سقوط نظام الأسد؟

هذا السؤال، في تقدير العديد من مراقبي مسار الأزمة السورية، بات سؤالاً جدّيا وموضوعيا في حسابات الاطراف المحلية والاقليمية، وبالتأكيد لدى حزب الله. وإشارة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى خيار التعبئة العامة، خلال خطابه بيوم الجريح، او مجرد القائها في سوق التداول الشعبي والسياسي، هي دلالة على ان مسارات الاحداث في سورية تجعل حزب الله في الموقع الدفاعي. واذا اضفنا تكرار السيد نصرالله مقولة "الخطر الوجودي" في الخطابين الاخيرين، سواء على لبنان او الشيعة وغيرهم من الطوائف اللبنانية، فذلك يرجح ايضا القلق الوجودي الذي بدأ يتلمسه حزب الله، من خطر سقوط النظام السوري عليه وعلى المعادلة السياسية الداخلية المتصدعة اصلاً في لبنان.

بداية لا يعني انهيار النظام السوري امام هجومات معارضيه، أن حزب الله أصبح في موقع يتيح لخصومه اللبنانيين ان يكونوا قادرين على الزامه بما يريدون، وتعديل موقعه ونفوذه في المعادلة السياسية والأمنية اللبنانية. بل الأرجح ان ايّ تراجع للنظام السوري او انكساره يعني بالضرورة، بالنسبة لحزب الله، اتخاذ اجراءات تمنع اياّ من الأطراف اللبنانية الرسمية وغير الرسمية ان تستثمر في هزيمته.

ذلك ان البعض يعتبر مجرد انهيار نظام الأسد يعني انهياراً لحزب الله، وهذا استنتاج لا ينطوي على معرفة وادراك بواقع حزب الله وطبيعته الأيديولوجية والثقافية والامنية. والأهم انه ابرز مرتكزات الأمن القومي الايراني في لبنان وسورية، تلك التي لا يمكن لايران ان تتساهل في المحافظة على دورها ووجودها.

ولأن المعادلة السياسية التي تقوم عليها الحكومة اللبنانية اليوم عاجزة عن استيعاب التناقضات، في ظل التربص المتبادل، وغياب الرؤية المشتركة لكيفية التعامل مع تداعيات الازمة السورية، فإن الأرجح ان ايران، التي لن تقبل الهزيمة في سورية، ربما لن تكون منزعجة من قيام حزب الله بقلب الطاولة على الجميع، بفرض وقائع امنية وعسكرية جديدة، تعكس تصعيدا امنياً لاسياسياً، اي ذي طابع عنفي. ولعل قضية عرسال وجرودها، التي يطرحها حزب الله، ربما تشكل بداية عملية قلب الطاولة. ذلك ان حزب الله لايستطيع التعامل مع هذا الوجود السوري الكبير من اللاجئين باعتباره عنصرا حيادياً، لاسيما ان هؤلاء المتواجدين في عرسال ومحيطها يشكلون خطرا ديمغرافيا سعى الجيش السوري وحزب الله لتغييره في القلمون لحسابات استراتيجية، تتصل بحاجة الربط الجغرافي والديمغرافي بين منطقتي بعلبك الهرمل والقلمون وامتدادا نحو الساحل السوري شمالا ودمشق والحدود اللبنانية باتجاه الجنوب.

التعويض عن انهيار النظام السوري او انكفائه سيكون بالنسبة لحزب الله في لبنان، ويمكن تلمس التصعيد في خطاب الخطر الوجودي كمدخل لفهم طبيعة الردّ، وهو سينعكس بداية على ضرب التوازن السني – الشيعي القائم اليوم بالرغم من هشاشته. وبالتأكيد فإن حزب الله يمهد الطريق لهذا الاحتمال القوي، بمزيد من توثيق الروابط الوجودية مع القوى المسيحية، بالمزيد من انعاش نظرية "حلف الأقليات في مواجهة الأكثرية". وهي ستجد لها صدى لن يقتصر على القريبين من حزب الله وحسب، بل ستطال مسيحيين كانوا على الدوام من خصوم حزب الله. اذ لم يعد خافيا مروحة الاتصالات واللقاءات التي باشرها حزب الله مع مختلف الاطراف المسيحية ومنها ما تمّ بعيدا من الأضواء، كل ذلك في سبيل الاستعداد لمواجهة احتمالات تمدد الجماعات السنيّة الارهابية نحو لبنان.

الخطر الوجودي الذي تحدث عنه نصرالله سيفتح بالضرورة الباب واسعاً على تعديل الصيغة اللبنانية، وعلى اعادة النظر باتفاق الطائف. ولأن المعادلة السياسية وتوازناتها مرشحة الى مزيد من الاختلال، سواء كان تهديد المجموعات الارهابية للبنان جدّيا او لم يكن... فثمة عنوان سيطرح بقوة في المرحلة المقبلة، بسؤال سيفرض نفسه على الصيغة اللبنانية وعلى المعادلة السياسية وعلى الطوائف: من يحكم لبنان؟