بالرغم من إحتدام الخلاف بشأن ملفي التعيينات الأمنية وعرسال، وانشطار المكوّن الحكومي تجاه مقاربتهما، فإن المعطيات السياسية حتى الساعة لا تحمل أي إشارات توحي بأن الحكومة قد دخلت مدار الخطر، وأن الاهتزاز الذي تتعرّض له نتيجة ارتدادات بعض المواقف الحادّة من الممكن أن يتطور باتجاه الإطاحة بها وإسقاطها، لا بل إن كل القوى السياسية تُبدي حرصاً على إبقاء الحكومة على قيد الحياة لاعتبارات داخلية وخارجية، ففي حال استقالت الحكومة الحالية فإنه سيكون متعذراً لا بل مستحيلاً تشكيل حكومة جديدة، وثانياً إن العامل الخارجي ما يزال يُشكّل مظلة حماية لهذه لحكومة وربما للأسباب ذاتها زائداً على أن القوى الإقليمية والدولية ترى وجوب إبقاء لبنان في دائرة الاستقرار في الوقت الذي ترسم فيه صورة جديدة للمنطقة.

وإذا كان من الثابت بأن حكومة «المصلحة الوطنية» باقية طالما الفراغ الرئاسي مستوطناً في قصر بعبدا، فإن ذلك لا يلغي إمكانية أن تتعرض هذه الحكومة من وقت إلى آخر إلى اهتزازات وحالات من النكد السياسي الذي يعيق مسيرتها وتحويلها إلى ما يشبه حكومة تصريف الأعمال من دون الوصول إلى حدّ الشلل الكامل، وهذا الواقع متنبّه له كل الأفرقاء دون استثناء وهو ما يجعل أعضاء الحكومة مرتاحي البال بأن الحكومة التي يشاركون فيها ستكون من أطول الحكومات عمراً في لبنان على الإطلاق.

وقد عكست جلسة مجلس الوزراء أمس هذه المناخات حيث أن التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور في اليومين الماضيين سرعان ما تحوّل برداً وسلاماً، بعد أن فعلت الاتصالات والمشاورات التي شارك فيها الرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط فعلها للحؤول دون تأزم الوضع الحكومي في هذه المرحلة، واقتصر الأمر داخل الجلسة على أبداء كل فريق رأيه حيال التعيينات الأمنية والعسكرية وملف عرسال، والاتفاق على استكمال هذا النقاش الاثنين حيث بقي وفق المعلومات تسعة وزراء على لائحة طالبي الكلام، وفي ضوء ما تخلص إليه مقاربة الأفرقاء للملفات المطروحة يُبنى على الشيء مقتضاه.

ووفق أوساط سياسية مراقبة فإن الاتصالات في الليلة التي سبقت جلسة الأمس أفضت إلى الاتفاق على التهدئة والإفساح في المجال أمام المزيد من الوقت علّ وعسى تؤدي المشاورات إلى ابتداع صيغة ما تجنّب الحكومة أي تصدعات نتيجة الاشكاليات المطروحة سواء على مستوى التعيينات أو ملف عرسال، وجرى تشديد على أن تبقى المناقشات تحت سقف التهدئة والحؤول دون ذهاب الأمور باتجاه التفجير.

وتلفت الأوساط إلى أن الصورة غير واضحة المعالم بعد لما ستكون عليه جلسة الاثنين، فتيار «المستقبل» متمسك برأيه القائل بعدم ربط التعيينات العسكرية الأمنية، في مواجهة التيار الوطني الحر الذي يُصرّ على ان تكون في سلة واحدة.

وفي رأي الأوساط ان العماد عون علّى سقف مطالبه بعد اجتماع «التكتل» الأخير، وهو بذلك قد صعد سريعاً إلى الدرجة الأخيرة من السلم، وهذا في اللعبة السياسية يُشكّل خطأ فادحاً، سيما وانه حتى الحلفاء لا يجارون عون في مسألة ربط استمرار الحكومة بحصول التعينات الأمنية عوضاً عن التمديد، فعلى سبيل المثال ان الرئيس نبيه برّي يرفض بالمطلق حدوث أي أمر من شأنه تعطيل الحكومة وتعريض البلد إلى خضّات سياسية، كما ان «حزب الله» لا يرغب الانسحاب من الحكومة تضامناً مع حليفه في هذا الظرف.

وفي تقدير الأوساط ان الجنرال عون المستمر في التصعيد لم يفكر بعد بأخذ اي قرار بالاستقالة من الحكومة، إنما فكرة التعطيل تراوده وهو ربما يلجأ إلى التمرد والعصيان داخل الحكومة بمعنى الامتناع عن توقيع المراسيم وما إلى ذلك من تواقيع تطلب الإجماع الوزاري حيالها.

وينظر الرئيس برّي و«حزب الله» برأي الأوساط إلى الحكومة على انها ضرورة الضرورات بفعل انها السلطة الوحيدة في البلد التي تعمل بشكل منتظم إلى حدّ ما، وأن استقالتها ستؤدي حكماً إلى الفوضى السياسية والأمنية والاجتماعية بما يفتح الأبواب على كل شيء، وهذا الموقف لبري و«حزب الله» يساهم إلى حدّ كبير في الإبقاء على الاستقرار الحكومي وبالتالي إبقاء البلد مستقراً في الوقت الذي يلفه الحريق من كل جانب.

وتؤكد الأوساط السياسية ان الفراغ الأمني غير مطروح على الإطلاق لأن الوصول إلى هذا الخيار يعني الانتحار الجماعي، ولذا فإن عدم الاتفاق الاثنين على ملف التعيينات فلا بدّ عندئذ من التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي، وهذا يؤدي بشكل طبيعي إلى فصل التعيينات العسكرية عن الأمنية بحيث يؤجل البحث في مسألة رئاسة الأركان التي تنتهي في آب وقيادة الجيش في أيلول، لأنه إلى ذاك الحين يخلق الله مما لا تعلمون وبذلك نكون قد ارجأنا المشكلة لشهرين على الأقل وهو أمر إيجابي في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تواجه لبنان