يتوقف رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام معادلة يعيشها لبنان وقد لا يعثر عليها في اكثر بلدان العالم وهي: ان الوضع الامني مستقر في بيروت ومختلف المناطق على عكس حال الحياة السياسية "غير السليمة" التي تحكم عمل المؤسسات، وهذا ما يبرز في جلسات مجلس الوزراء الذي يناقش مواضيع امنية عدة من عرسال الى مصير التعيينات الامنية والتي يجري ترحيلها من جلسة الى أخرى لمزيد من الاتصالات، علها تساهم في التوصل الى مخارج ما وسط سلسلة من الشروط التي يتم وضعها ولا سيما من "تكتل التغيير والاصلاح" ومن دون ان يمنع عليه ممارسة هذا الحق من خلال تمثيله الشعبي وحضوره في مجلسي النواب والوزراء.

ويعوّل بري على اداء الجيش وسائر الأجهزة الأمنية من خلال تحقيقها انجازات عدة على الارض وسط التخبّط السياسي الذي يمر به الافرقاء الذين لا يمارسون السياسة المطلوبة حيال الأجهزة وتوفير "مظلة الأمان" المطلوبة لها. ومع تعايش لبنان مع هذه الحال يقول "ليس من المبالغة القول ان الأمن عندنا افضل من باريس". ويردد جملته هذه ويحمد الله على هذه "النعمة" التي يحظى بها اللبنانيون في وقت يرتفع منسوب السخونة العسكرية التي تلوح بشرارتها فوق فضاء عرسال ولا يوفر وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مناسبة للعمل على تجنيب حكومة الرئيس تمام سلام أي خضة، وهذا ما بدأه في الزيارات والمشاورات التي يقوم بها وابرزها مع بري والعماد ميشال عون.

وفتح المشنوق عند بري كل اوراقه وافكاره التي تساعد في الخروج من الانفاق المسدودة التي تهدد الحكومة قبل لجوء وزراء "التكتل" الى اتخاذ موقف ما يفرمل عملها. ويأخذ موضوع عرسال مساحة كبيرة من اهتمامه مع قوله مرة اخرى انها محتلة على رغم وجود الجيش في تلالها ودخول وحدات منه الى شوارعها في اليومين الاخيرين. الا ان الجميع يعرف ان ثمة اماكن تخضع لقبضة جماعات من المسلحين السوريين تدعمها عناصر لبنانية حتى لو كانوا في حدود الخمسة في المئة من أهلها، ومن دون التقليل من خطر هؤلاء وقدرتهم على جر البلدة الى اي مواجهة وفتح النار على الجيش.

ولا يعارض بري ان تكون للمؤسسة العسكرية الكلمة الاولى في عرسال والحفاظ على امن اهلها وعدم تفلت المسلحين السوريين في المخيمات ومنعهم من التضييق على ابناء البلدة.

وتبقى "النقطة المضيئة" التي يتحدث عنها بري باطمئنان وهي استمرار الحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" مهما وصلت درجة سخونة التصريحات في الخارج. ويرتاح الى مسألة طرح كل المواضيع الخلافية تحت سقف عين التينة مع حفاظ كل فريق على رؤيته وسط كل هذا الضجيج الذي يخيم على البلاد.

ويشد بري على "يدي" المشنوق في سعيه الى نزع لغم عرسال من المسلحين الذين يستغلون واقع البلدة واحوال مخيمات اللاجئين، الا ان ثمة من يرى في 8 آذار انه لن يتم السماح لوزير الداخلية بالتوصل الى حل بسبب تصعيد من داخل "تيار المستقبل" وجهات عربية لا تقبل بتسجيل "حزب الله" اي نقطة تعزز سياسته والحرب التي شنها في القلمون والتي دفعت المسلحين الى التجمع في جرود عرسال مع اصرار الحزب ومن خلفه "التيار الوطني الحر" على التركيز على هذا البند الذي سيحتل مساحة كبيرة من المناقشات والأخذ والرد في جلسة الحكومة الاثنين المقبل. ويقول بري: "تجاوز المتحاورون أزمة اليمن وحربها واستمروا في حوارهم حتى لو جرى التلويح بتكبيل عمل الحكومة إذا لجأ وزراء "التكتل" ومعهم "حزب الله" الى توجيه رسالة انذار الى من يعارض طروحاتهم ويعمل على منع تحقيقها".

ومهما اشتدت السخونة في مجلس الوزراء، لا سبيل أمام بري الا الحفاظ على "المساكنة السياسية" بين "حزب الله" و"المستقبل" بسبب انعكاس هذا المعطى الايجابي على الوضع الأمني في البلاد، بعد اعلان يأسه من الحركة السياسية التي تراوح مكانها في الملفات التي تغرق بها مع عودة أفرقاء في 14 آذار الى "نغمة" انتخاب رئيس الجمهورية بالنصف زائد واحداً.

وفي خضم كل ما يحصل في السرايا الحكومية وما ينتظرها يستمر "حزب الله" في سياسته تنفيذاً لما اعلنه السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة بعدم القبول بوجود المسلحين في جرود عرسال والعمل على تحريرها، وطرح هذا الموضوع والتوصل الى "علاج" له على طاولة مجلس الوزراء من دون أن يسعى بالطبع الى تطيير جلساته مع ابداء حرصه على استمرار عمل هذه المؤسسة شرط الاصغاء الى مطالب "التكتل"، لأنه إذا خيّر في النهاية بين الحكومة وعون فسيختار الأخير هذه المرة من دون أن يتراجع مقاتلوه أو يتوقفوا عند جرود عرسال.