يُدرك "حزب الله" تمامًا أنّ اتخاذ الحكومة الحالية قرارًا بخوض الجيش المعركة المفتوحة في جرود عرسال سيكون مكلفًا كثيرًا على الاصعدة كافة، إن كان على صعيد التهدئة الداخلية أو على صعيد العمل الحكومي أو بما يتعلق بعدد الشهداء الذين سيسقطون من المؤسسة العسكرية، هذا عدا إقحام الجيش في مواجهة مع البيئة الحاضنة للمسلحين وأفراد عائلاتهم والذين يُقدّر عددهم بـ80 ألف نسمة يعيشون في مخيمات البلدة التي استضافتهم منذ 4 سنوات مشكلة قاعدة خلفية لدعم المعارضين السوريين بالغذاء والطبابة والمستلزمات الأساسية للقتال في القلمون.

ما سكت عنه "حزب الله" في السنوات الماضية وخاصة لجهة انشاء مستشفى مخصص لعلاج المقاتلين السوريين داخل عرسال، كي يعودوا الى الداخل السوري ليقاتلوا بعد فترة من النقاهة، لن يسكت عنه بعد اليوم وبالتحديد بعد "عملية تطهير" منطقة القلمون وما كلّف ذلك من اثمان باهظة تكبّدها وحيدًا. ولعلّ استخدام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالاته الأخيرة مصطلح "الصراع الوجودي" أصدق تعبير عن أن الحزب لن يعود بعد اليوم يراعي الخواطر أو يكلّف نفسه عناء تحديد الأولويات، فأولويته الوحيدة حاليا تطهير الجرود اللبنانية وخاصة جرود عرسال التي ظلت حتى وقت ليس ببعيد بمثابة خط احمر رسمه هو لنفسه باطار المقولة القائلة "ابعد عن شر الفتنة المذهبية وغنيلو"...

اليوم يجد الحزب نفسه مجبرا على القفز فوق قنابل الفتنة الموقوتة، وهو لا يأبه كثيرا للمخاطر التي سيكون بصدد مواجهتها طالما يتعاطى مع الصراع المحتدم في المنطقة، والذي هو عنصر اساسي فيه على أنّه صراع وجودي، ما يتيح له، وبحسب مصادر مقربة منه، استخدام كل الأوراق التي بين يديه وكل عناصر القوة التي راكمها حفاظا على وجوده وبقائه. وتضيف: "في هذه المرحلة لا امكانية للرضوخ لضغوط اي كان حليفا كان أو عدوا... لا مجال للتسامح والتساهل الذي قد يجهض نتائج معركة القلمون... لا الكيان الحكومي ووحدته مهم ولا كل الكيانات الأخرى طالما المعركة معركة حياة أو موت".

وتشير المصادر الى أن الحزب أنهى استعداداته لخوض معركة جرود عرسال الا أنّه غير مستعجل لفتحها وبانتظار أن تعيد له الحكومة الكرة الحارقة التي رماها في ملعبها كي ينطلق عمليا بمهمته.

وسيتعاطى الحزب مع معركة الجرود، تماما كما تعاطى مع معركة القلمون بحيث أنّه "لن يكون هناك صفارة انطلاق للمعارك التي ستبدأ تدريجية ومن دون ضجة، وقد ينجح حتى صراخ المتضامنين مع المسلحين بحجبها عن الأنظار ما يسهّل اتمام المهمة بسرعة وبنجاح".

وتستبعد المصادر أن يتم اللجوء الى خيار الحل السلمي بانسحاب المسلحين باعتبار أن "عناصر "جبهة النصرة" ليسوا بوارد الانسحاب عبر المعبر الذي لا يزال متاحا من القلمون الى ريف حمص وصولا الى الرقة، فهناك سيكون عليهم مبايعة "داعش" وهو ما لا يتقبله قسم كبير منهم خاصة وأنّه ايضا ليس بصدد ترك افراد عائلته لمصيرهم المجهول في عرسال".

بالمحصلة، قد تندلع المعارك في الجرود في الساعات المقبلة من دون سابق انذار تماما كما حصل في القلمون كما قد يبقى الملف لأسابيع مقبلة عاملا ينفخ في نار الفتنة السنية–الشيعية، الا أن ما هو مؤكد فقرار حزب الله المضي بمعاركه دون ان يدير اذنا لأحد أو يهتم لأي اعتبارات داخلية... ولعل ما نقل عن نصرالله أخيرا يختصر الشكل الذي سيتخذه تعامل حزب الله مع المرحلة المقبلة... "أقول قد نقاتل في كل الأماكن. لن نسكت لأحد بعد اليوم، ومن يتكلم معنا سنحدق في عينيه ونقول له أنت خائن، أكان كبيراً أم صغيراً... مش فارقة معنا".