بينَ مَشاهِد الرّكام والدمار في حي الشجاعية المدمِّر شرق مدينة غزة، يُصِرّ الطالب مدحت كغيره من الطلبة الفلسطينيين الذين دمر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم في العدوان الأخير على القطاع، على الدراسة والاستعداد للتقدم لامتحانات الثانوية العامة التي بدأت في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وهو يجلس في خيمة بالية من دون توفر أبسط المقوّمات والإمكانات الحياتية، أو حتى بيئة مناسبة للدراسة.

أوضاع صعبة، وظروف اقتصادية متفاقمة، ومشاهد الدمار التي لم تزل حتى الآن ألقت بظلالها سلباً على أحوال آلاف الطلبة الفلسطينيين في مختلف مناطق قطاع غزة، بدءًا من أزمة انقطاع الكهرباء والآثار النفسية التي نتجت عن العدوان، وليس انتهاءً بمشاهد الدمار التي لم تُمحَ من ذاكرتهم حتى الآن في ظل تعثر إعادة الإعمار.

وبدأ (80569) طالب وطالبة من كافة المحافظات والمدن الفلسطينية تقديم امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" منهم (45872) في الضفة الغربية المحتلة و(34697) في قطاع غزة.

الدراسة في الخيم..

ويصف الطالب مدحت الظروف المعيشية التي يعيشها مع أسرته المكونة من ثمانية أفراد، بالصعبة بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي منزلهم وحوله إلى ركام.

ويقول لـ"النشرة" وهو يجلس في خيمة نُصبت على أنقاض المنزل المدمّر: "كان لي بيت هنا، وهنا كان مكتبي وكُتبي ودفاتري، كنا نعيش بأمان واطمئنان في المنزل وكل شيء موفر لنا، والآن أصبحنا بلا شيء".

ويوضح الطاب مدحت أبو شربي، أنه في ظل هذه الظروف يحاول التركيز والدراسة من أجل إدخال الفرحة على قلوب أهله وذويه الذين أنهكتهم الحرب والأزمات وأصبحوا بلا مأوى.

ويتساءل الطالب الفلسطيني: "لا أعرف كيف سأتقدم للامتحانات في كافة المواد، فنحن نعيش بلا كهرباء وبلا ماء وأدرس في خيمة في ظل الحر الشديد"، مضيفاً: "بالكاد أستطيع التركيز في دراستي".

ظروف صعبة..

ولم يكن الطالب أبو شربي يريد تقديم امتحان الثانوية العامة نظراً للظروف الصعبة التي يعيشها، إلا أنّ عائلته حاولت اقناعه مراراً بالعدول عن هذا القرار رغم الظروف المأساوية التي تعيشها العائلة.

وتقول والدته: "لم يكن يريد تقديم الامتحان، لأن ظروفنا صعبة، توجهت للجميع أن يتحدثوا معه وحاولنا إقناعه ونجحنا في ذلك، لكنني وبصراحة غير متفائلة بأن يحصل ابني على درجات عالية، لأن حالنا لا يعلمه إلا الله".

وتضيف: "الظروف صعبة للغاية، وقمنا بتسجيله في الدروس الخصوصية رغم أن أوضاعنا المادية صعبة أيضاً، في محاولة منا لتوفير أجواء ملائمة تساعده على التركيز نسبياً".

وترك العدوان الإسرائيلي على غزة آثاراً نفسية سلبية على سكان قطاع غزة بما فيهم الطلبة، وفقاً لدراسات المراكز الطبية والنفسية المختلفة.

ذكريات الحرب تلاحقني..

أما بالنسبة للطالب محمد القرشلي، الذي كان متفوقاً على مدار المراحل الدراسية السابقة، فإن أدق تفاصيل الحرب لا زالت شاخصةً أمامه وهو الآخر قد دمر الاحتلال منزلهم.

ويقول لـ "النشرة": "ذكريات وتفاصيل الحرب تلاحقني حتى في دراستي، لم أعد قادرًا على تحمل مشاهد الدمار التي نجلس عليها، ولا صور الشهداء الذين كنا نشاهدهم أمامنا، ولا أعرف كيف سأستطيع تقديم الامتحان الذي يُعد مفصلياً في حياتي".

ولا يتوقع الطالب القرشلي أن يحصل على معدل ممتاز في ظل هذه الظروف والمعوقات التي تواجهه في قطاع غزة، علمًا أنه لم ينهِ دراسة منهاج "التوجيهي" بالكامل.

ويتابع: "كنت متفوقاً طوال المراحل الدراسية السابقة، والآن سأحاول رغم ما حل بنا من جرح وألم كبيرين، أن أقدم الامتحان بعزيمة وإرادة قوية كي أدخل الفرح على أهلي وأصدقائي".

أخيراً، تبقى صور الإصرار والعزيمة حاضرة لدى الطلبة الفلسطينيين الذين يعقد أهلهم وذووهم آمالاً كبيرة عليهم بأن يحصلوا على درجات عالية تشكل تحدياً وانتصاراً على الاحتلال والدمار والظروف الصعبة.