هم أنفسهم الذين ظهروا في البرقيات السرية للخارجية الأميركية، التي نشرتها «الأخبار» بالتعاون مع موقع «ويكيليكس» عامي 2010 و2011. سياسيون لبنانيون كانت كل احاديثهم مع الموظفين الأميركيين، متمحورة حول امر واحد: ضرب المقاومة. وصل بعضهم خلال حرب تموز ــ آب 2006 إلى حد المطالبة بإطالة امد العدوان الإسرائيلي، وحض الأميركيين على الطلب من العدو ان تكون ضرباته أقسى. ها هم يظهرون من جديد، إنما هذه المرة، في وثائق الخارجية السعودية. كلامهم السياسي مع موظفي آل سعود يتمحور حول نقطة واحدة: نريد مالاً. وآل سعود يردّون بما يشبه عبارات القرون الوسطى وما قبلها: املأوا أفواههم ذهباً

حسن عليق

لا يترك فريق 14 آذار مناسبة إلا يصم فيها أسماع اللبنانيين بكلمات عن الحرية والسيادة والاستقلال. انتحل هذا الفريق صفة «التيار الاستقلالي». وثائق الخارجية الأميركية التي نشرها موقع «ويكيليكس» قبل 5 أعوام لم تُسكِته. احرقتها الأحداث اللاحقة، وغياب المحاسبة في لبنان، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. في تلك الوثائق، ظهر هذا الفريق منفّذاً للسياسة الأميركية، متماهياً مع ادبياته الداعمة للعدو الإسرائيلي، حتى في زمن الحرب.

وفي تلك البرقيات، مرّت، لماماً، مطالب بعض قادة «ثورة الأرز» بضرورة الحصول على أموال من الخارج، وتحديداً من السعودية، لمواجهة حزب الله. لم يخدش ذلك «الحساسيةَ السيادية» لأركان هذه القوى. في وثائق الخارجية السعودية التي تنشرها «الأخبار» ابتداءً من اليوم، بالتعاون مع منظمة «ويكيليكس»، تظهر بصورة أكثر وضوحاً حقيقة جزء كبير من الطبقة الحاكمة في لبنان. دفْعُ المال لشراء السياسيين هو ما تجيده المملكة السعودية. وفي المقابل، لا حدود امام استعداد «الفريق السياديّ» في لبنان للارتهان للسعودية، والتعبير بوضوح عن الاستعداد للعمل بتوجيهات «المملكة» و»خادم الحرمين». وليس المطلوب سوى امر واحد: الحصول على مال آل سعود.

في ما يأتي، نستعرض وثائق صادرة عن السفارة السعودية في بيروت عام 2012، تُظهر ملامح العلاقة التي تربط حزب القوات اللبنانية بحكام الرياض. في البرقية التي أرسل بها السفير علي عواض العسيري إلى وزارة خارجية بلاده يوم 23/4/1433 هجري (17/3/2012 ميلادي)، كتب السفير أنه استقبل «السيد إيلي أبو عاصي، موفداً من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية، وتحدث عن صعوبة الاوضاع المالية التي يعيشها حزبهم ووصلت الى حد باتوا عاجزين معه عن تأمين رواتب العاملين في الحزب، وتكاد تصل بهم الأمور الى العجز عن الوفاء بتكاليف حماية رئيس الحزب سمير جعجع، ولاسيما في ظروف المواجهة التي يعيشونها من جراء مواقف بعض الزعامات المسيحية، كالجنرال ميشال عون والبطريريك الماروني، المتعاطفة مع النظام السوري. وأشار الى انه وصل بهم الامر الى حد ان السيد سمير جعجع جاهز للسفر الى المملكة لعرض وضعهم المالي المتدهور على القيادة في المملكة». وبعد هذا التقديم، يبدأ العسيري بالتحدّث عن محاسن القوات اللبنانية، كونها «بقيادة الدكتور سمير جعجع القوة الحقيقية التي يعول عليها لردع لحزب الله ومَن وراءه في لبنان». ثم يوصي العسيري رؤساءه «بتقديم مساعدة مالية» لجعجع، «تفي بمتطلباته، ولاسيما في ضوء مواقف السيد سمير جعجع الموالية للمملكة والمدافعة عن توجهاتها». وتبدو هنا أهمية تصريحات السياسيين اللبنانيين المحابية لآل سعود، حيث لكل شعار ثمنه. وجعجع كان قبل يومين قد خرج في لقاء صحافي ليدافع عن السعودية بعد الفتوى التي أصدرها مفتي آل سعود عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، بوجوب هدم الكنائس في جزيرة العرب، بناءً على «القاعدة الشرعية» التي تنص على «عدم جواز اجتماع دينَين» في جزيرة العرب. يذكّر العسيري «صاحبَ السموّ» بهذا الموقف، علماً بأنه كان قد أرسل في اليوم نفسه، ببرقية منفصلة يتحدّث فيها عن موقف جعجع من فتوى آل الشيخ، يقول فيها إن جعجع خاطب المفتي «بلغة عقلانية حريصة على دور المملكة والعلاقات الأخوية القائمة معها»

.

ويختم العسيري تقريره عن لقاء أبو عاصي بالقول: «إن جعجع هو الاقرب الى المملكة بين الزعامات المسيحية وله موقف ثابت ضد النظام السوري، وفوق ذلك فهو يبدي استعداده للقيام بما تطلبه منه المملكة».

اللقاء «المالي» بين السفير السعودي وموفد جعجع عُقِد يوم 17/3/2012. بعد أقل من 20 يوماً، شاءت الصدفة، ربما، ان تعلن القوات اللبنانية عن تعرّض جعجع لمحاولة اغتيال مريبة في مقر إقامته في معراب، وهي الجريمة الغامضة التي لم تتمكن القوى الأمنية حتى اليوم من التقاط أي خيط متصل بها.

برقية العسيري تلقاها وزير الخارجية حينذاك سعود الفيصل، واحالها على الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ويوم 28/5/1433 (20/4/2012)، أصدر عبدالله «التوجيه السامي» باستقبال جعجع، وهو ما جرى تنسيقه لاحقاً بين وزارة سعود الفصيل ورئاسة الاستخبارات السعودية.