بعد أيام قليلة، ستنهي "الخلافة"، التي أعلنها تنظيم "داعش" الإرهابي، بزعامة أبو بكر البغدادي عامها الأول(1)، في ظل حرب معلنة عليه من قبل أكثر من 60 دولة، من دون أن تنجح في تحقيق أي هدف يذكر لها، حيث تثبت المعطيات الفعلية أنه قادر على التوسع في عملياته العسكرية على نطاق كبير، وعلى إبتكار إساليب إجرام جديدة لا تخطر في بال الإنسان العادي، وعلى تنفيذ عمليات أمنية في أماكن بعيدة عن معاقله الأساسية في العراق وسوريا.

في الأيام الأخيرة، حضّ المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني، في تسجل صوتي، عناصر "داعش" على أن يكون رمضان شهر "الجهاد" و"التعرض للشهادة"، في إشارة واضحة إلى الرغبة بالقيام بالعديد من العمليات العسكرية والأمنية في بعض الدول، وما هي إلا أيام قليلة حتى أثبت "داعش" أنه لا يزال يملك القدرة على التحرك بكل سهولة في أكثر من دولة، بسبب الفشل الكبير في الإستراتيجية المتبعة في محاربته، والتي تتجاهل مكامن الخلل التي يستفيد منها ومكامن القوة التي لديه، فكانت التفجيرات في تونس والكويت وفرنسا، والهجمات في مناطق سورية وعراقية مختلفة.

في قراءة سريعة لتطورات العام الأول من "الخلافة"، نجح "داعش" في الخروج من الأراضي العراقية والسورية نحو بلدان أخرى، لا سيما في آسيا وأفريقيا، مستفيدا من "البيعات" التي حصل عليها من قبل فصائل تنظيم "القاعدة" المنتشرة في دول عدّة، حيث بات موجوداً بشكل واضح في ليبيا ومالي ومصر واليمن بشكل أساسي، مقابل معلومات عن إنتشار عناصر له في غيرها من الدول.

من جهة ثانية، نجح التنظيم الإرهابي في تنفيذ عمليات خارجية، تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة، بالنسبة إلى مستقبل الأوضاع في العالم والمنطقة العربية، لا سيما تلك التي وقعت مؤخراً في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وفي الكويت، نظراً إلى أن الهدف الأساسي منها توسع رقعة التوتر المذهبي أكثر، وتحويل مناطق جديدة إلى ساحات معركة يمكن الإستفادة منها.

وفي مقابل الحديث الرسمي عن تراجعه أو إنتهاء دوره من قبل بعض المسؤولين الغربيين والعرب، تشير معظم التوقعات، الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات والخبراء العسكريين، إلى أن القضاء عليه لا يمكن أن يتم قبل 5 سنوات بالحد الأدنى، لا بل أن بعضهم يذهب إلى التأكيد أن حصول ذلك بشكل كامل لا يمكن على الإطلاق لأسباب متنوعة، أبرزها أن دوافع ظهوره وتناغم بعض الفئات الشعبية معه لا تزال قائمة، وهي تكبر يوماً بعد آخر نتيجة الأجواء المضطربة في الشرق الأوسط.

وسط هذا الفشل الواضح على الصعيدين العالمي والإقليمي في الحرب المعلنة على المنظمات الإرهابية، يشير خبير عسكري متابع لعمل الجماعات الإرهابية، عبر "النشرة"، إلى أن السبب الرئيسي في ذلك يعود أولاً إلى غياب الرغبة الفعلية في القضاء على "داعش"، والتي تظهر من خلال غياب التوافق الدولي، خصوصاً أن الحملة المقامة ضده لا تحظى حتى اليوم بغطاء الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة، نظراً إلى الخلاف الذي حصل عند تشكيل التحالف بزعامة الولايات المتحدة مع أقطاب دولية كبرى، أبرزها روسيا والصين، بسبب عدم إحترامه سيادة الدول التي تقع على أرضها المواجهة.

ويلفت هذا الخبير إلى أزمة أخطر متمثلة بالصراع بين قوى إقليمية ودولية، حيث يتغاضى بعضها عن نشاط التنظيم الإرهابي عندما يستهدف المنافسين له، ما يساعده على تحقيق أهدافه بكل حرية بعيداً عن المراقبة والملاحقة الأمنية الفعلية، ويرى أنه خلال العام المنصرم حصلت العديد من الخطوات المشبوهة التي أثبتت أن من الممكن التغاضي عن عمليات يقوم بها "داعش" بهدف تحقيق مكاسب سياسية معينة، خصوصاً ما حصل عند إستعادته السيطرة على الرمادي العراقية في التحليق المكثف لطائرات ​التحالف الدولي​، ويضيف: "في الأصل العالم لم يتنبه إلى هذا الخطر الموجود منذ ما يقارب 8 سنوات في العراق وسوريا إلا بعد تهديده مصالح بعض الجهات الغربية في إقليم كردستان العراق".

ويوضح الخبير العسكري أن من المفارقات اللافتة على هذا الصعيد، أن التنظيم الإرهابي قادر على التنسيق الكامل بين مختلف فصائله المنتشرة، في حين لا يزال حتى الآن يغيب هذا الأمر عن أبرز دولتين معنيتين بهذه الحرب، أي سوريا والعراق، بالرغم من الكلام الصادر عن المسؤولين الإيرانيين بأن بلادهم سترعى توقيع إتفاقية أمنية ثلاثية لمحاربة الإرهاب بين الدول الثلاث في الاسبوع المقبل.

وفي حين يشدد على أن قوى التحالف لم تنجح في تأمين قوات برية فاعلة في أرض المعركة تكون حليفة لها، باستثناء القوات الكردية التي لديها مشروعها الخاص، يستغرب كيف أن قيادة هذا الحلف تملك القدرة على تصنيف بعض الفصائل، التي تقاتل "داعش" لكنها غير متحالفة معها، شرعية وغير شرعية، ويرى أن الركائز الأساسية لأي معركة عسكرية ناجحة غير متوفرة حتى الآن، ما يعزز فرضية أن التنظيم الإرهابي سيكون قادراً على الإستمرار في جرائمه في المستقبل.

على صعيد متصل، ترى مصادر إسلامية متابعة، عبر "النشرة"، أن كل العوامل التي تساعد هذا التنظيم الإرهابي على الإنتشار أكثر وكسب بيئات حاضنة متوفرة اليوم أكثر من السابق، من الصراع المذهبي الواسع على مستوى المنطقة، الذي بدل أن تعمل القوى الفاعلة على إحتوائه تعمل على توسيع رقعته، إلى إنتشار الجهل والتخلف الناتج عن عدم تصدي المؤسسات الدينية الرسمية لهذه الموجة من التطرف بشكل جدي.

هذه المصادر، التي تشدد على أن هزيمة الإرهاب تكون فكرياً قبل أن تكون عسكرياً، تسأل: "أين هي المرجعيات التي تعمل على توعية المؤمنين من خطر الإنزلاق نحو التكفير والتطرف؟" وتشير إلى أنها مع الأسف غارقة في الصراعات الإقليمية التي تتطلب منها أخذ مواقف سياسية إلى جانب هذا المحور أو ذاك.

وتلفت هذه المصادر أيضاً إلى المعركة على الصعيدين الإعلامي والإجتماعي، حيث تؤكد أن هناك ثغرات ينبغي التصدي لها سريعاً في الخطاب المتبع، وفي معالجة الأزمات المعيشية التي تستغل من قبل الجماعات الإرهابية لكسب المزيد من العناصر، إلا أنها تلفت إلى أن الأزمة الكبيرة تكمن في غياب المكافحة الفعلية على صعيد مواقع التواصل الإجتماعي، حيث باتت المصيدة الأولى التي يقع فيها الشخص الضعيف، وتضيف: "هذه المنظمات باتت تلجأ إلى وسائل حماية من المراقبة من أجل الإستمرار في عملها، في حين أن بعض علماء الدين لا يعرفون أصلاً بهذه المواقع، والقسم الأكبر منهم يعتبر أن العمل في هذه الساحة الواسعة الإنتشار مضيعة للوقت".

وتعرب المصادر نفسها عن تشاؤمها بالنسبة إلى المستقبل، وترى أن هذه الموجة البعيدة كل البعد عن الإسلام، هي أكبر إساءة له، لكنها تملك كل عوامل القوة التي تسمح لها بالإستمرار طويلاً، وتعتبر أنه في ظل الأوضاع الحالية لا يمكن الحديث عن هزيمتها قريباً، بل عن إحتمال توسعها وإنتشارها أكثر، خصوصاً بعد سعى البعض إلى وضع المواطنين بين خيار "داعش" أو "القاعدة"، في ظل الحملات القائمة لتلميع صورة الأخيرة عبر القول أنها "معتدلة"، وتسأل: "على ماذا يختلف التنظيمان أصلاً غير أمور متعلقة بالسيطرة والسلطة؟"

في المحصلة، نجحت "الخلافة" المزعومة في عامها الأول، بسبب الفشل أو عدم الرغبة الفعلية في محاربتها، والمعطيات الحالية تشير إلى أن عنوان عامها المقبل لن يكون سقوطها بل ربما تمدد إجرامها نحو أماكن جديدة، بعد أن أصبح من المستعصي معالجة أزمات المنطقة، وبروز معضلة بارزة متمثلة بالمقاتلين الأجانب، التي تعيش دولهم خطر عودتهم، وتفضل إستمرار المعارك بعيداً عن أراضيها بهدف القضاء عليهم.

ما تقدم لا يعني أن "داعش" هو ذلك التنظيم الذي لا يقهر، حيث أثبت العام المنصرم نفسه أن هزيمته ممكنة عندما يتوفر القرار الجدي، لكن المشكلة هي الأسباب التي تم شرحها في الأعلى، والتي يستغلها هو إلى أبعد حدود.

(1) في 29 حزيران من العام 2014، أعلن تنظيم "داعش"، في تسجيل صوتي للمتحدث الرسمي باسمه "الخلافة"، داعياً إلى مبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة".