من يتابع وسائل الاعلام ​الصين​ية والروسية في الفترة الاخيرة، لا يمكنه سوى ان يشعر بالقلق العميق ازاء ما يقرأ او يشاهد، خصوصاً حين تعتبر وكالة شينخوا الصينية الرسمية ان الحرب بين الصين واميركا

"لا يمكن تفاديها".

وما زاد "الطين بلة" كان مسألة "الاعتداء الالكتروني" الذي تعرضت له واشنطن اخيراً واتهمت من خلاله الصين بالوقوف وراء "سرقة" معلومات شخصية لاكثر من 14 مليون موظف حكومي في الولايات المتحدة، في ما يمكن اعتباره بمثابة "اعلان حرب"، لانه طاول ايضاً معلومات حساسة حول مسائل استخباراتية وعسكرية.

وفي خضم هذا التوتر الاعلامي على الاقل، لا تقف ​روسيا​ متفرجة بل تعمل على تزكية هذا التوتر من اجل اعادة الاعتبار الى دورها على الصعيد العالمي كقوة توازن يجب بقاؤها من اجل الاستقرار. فموسكو التي تعيش مشاكل مع الغرب وصلت الى ذروتها بسبب الازمة الاوكرانية، شعرت بالتهديد الحقيقي ازاء موضوع الدرع الصاروخي الذي بات على حدودها، وهي تعتبره خطراً حقيقياً عليها، فعمدت الى الغمز من قناة الصين بأن الدرع ايضاً يستهدفها، فتقاربت معها من باب التضامن لان "المصيبة تجمع"، وهو امر ادى الى تعزيز التعاون بين البلدين وتوقيع اتفاقات عدة على اكثر من صعيد، فيما التعاون العسكري يسير بخطوات ثابتة نحو الامام.

وليست العلاقة بين الصين والولايات المتحدة "سمناً وعسلاً" فهي تشهد توتراً حول مسائل عدة منها الخلاف مع اليابان حول الجزر، ولكن الاهم يبقى في "زكزكة" الاميركيين للصينيين بين الفينة والاخرى في موضوع تايوان الذي يثير حساسية خاصة لدى بكين، ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والعسكرية التي تجعل الطرفين يسيران على خط رفيع.

من الطبيعي الا يكون قرع الطبول اعلامياً مؤشراً جدياً لاندلاع الحرب، ولكنه بمثابة رسائل تحذير ورفع للسقف من اجل ضمان الغطاء الدبلوماسي والشعبي لاي خطوة قد تتخذ من قبل السلطات في بكين او واشنطن. ولتصور عدم وقوع الحرب اسبابه لعل اهمه ان اي حرب بين البلدين لن تقتصر عليهما وستكون بمثابة الاعلان عن حرب عالمية ثالثة، وهو امر لا يمكن لاي منهما ان يتحمله لانه سيغير خريطة العالم الحالي جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً.

ولمن يعتقد ان روسيا ستذهب في هذا الاتجاه، فهو لم يأخذ في الحسبان ان الحرب سترتد سلباً على موسكو لانها لن تقف على الحياد، وستعاني بالتالي من تداعياتها ونتائجها، كما ان روسيا بحاجة فعلاً الى معسكري الغرب والشرق لتبقى على قيد الحياة. ومن غير الطبيعي القول ان موسكو تعتمد على الشرق ولا تأبه بالغرب، او العكس، ولو كان هذا القول صحيحاً لكانت روسيا اختارت منذ زمن بعيد معسكراً تصطف معه في مواجهة الآخر، ولو من الناحية السياسية او الاقتصادية، ولكن الروس يرغبون في لعب دور اكبر لان اصطفافهم خلف احد المعسكرين سيجعلهم لاعباً ثانوياً فيما طموحهم يبقى ان يكونوا اللاعب الرئيسي على غرار ما كان عليه الاتحاد السوفياتي.

من هنا يمكن فهم "التضارب" الكبير بين موسكو من جهة وواشنطن والاتحاد الاوروبي من جهة ثانية، كما بين موسكو وبكين ايضاً لان الاخيرة تعتبر نفسها زعيمة آسيا والشرق ولن تقبل بأن يأخذ احد هذا الدور ارضاء لطموح او احياء لامجاد الماضي.

وفي غياب المعطيات العملية لاندلاع الحرب العسكرية، تبقى الحروب الاخرى مندلعة على اكثر من جبهة: اعلامياً، اقتصادياً، سياسياً، الكترونياً،... وهي لا تقل شأناً عن الحرب العسكرية لكن كلفة الخسائر البشرية فيها تبقى اقل بكثير من كلفة الحرب العسكرية.

باختصار، ستبقى طبول الحرب تقرع لانها تصب في مصلحة الجميع، فالتوتر يعود بالفائدة على الدول المعنية الثلاث، ويوفر لها الاعذار والذرائع المناسبة للقيام بما يحلو لها ولو ان الامر يتطلب معاناة بعض العواقب، ولكنه يبقى ضمن الخطط التي تضعها الدول من اجل توسيع نفوذها.