تشتهر ​مدينة صيدا​ بكثرة المساجد والزوايا الصوفية والمقامات الدينية التي تدلّ على مدى التزام أبناء المدينة بالإسلام وسننه منذ عقود طويلة، وقد أرخت هذه المقامات لعدد من الصحابة والأولياء وعلماء الدين، الذين أفنوا عمرهم في نشر الدعوة الإسلامية.

تمتاز معظم هذه المقامات بصغر حجمها أو ضيق مساحتها وبأنها مقفلة لا تُشرع أبوابها إلا في أوقات محددة من أيام الأسبوع، ورغم ذلك يتوافد اليها الكثير من المؤمنين، يرفعون الدعاء في بعضها ويتبركون بها وحتى يوفوا "النذور"... وفي بعضها الآخر يقيمون الصلوات وحلقات الذكر والتعبد وتلاوة القرآن اعتقاداً منهم بأنهم فيها يكونون قربى إلى الله علَّه يتقبل منهم طاعتهم ويستجيب لدعائهم، بينما قلة منها هُدم كمقام الشيخ قاسم عند مدخل القلعة البرية ومنها ما بات مقفلا ومنها ما زال ينتظر الاهتمام كي لا يصبح مجرد ذكرى.

مقام النبي يحيى

من هذه المعالم، مقام النبي يحيى الذي يقع في منطقة حارة صيدا ويشرف على المدينة بقببه الخضراء، ويعتقد البعض بأنه ضريح النبي يحيى بن زكريا، بيد أن المؤرخين اختلفوا في تحديد مكان وفاته، فالبعض ذكر أنه دُفن في فلسطين والبعض الآخر في مصر، لذلك كثرت المقامات التي تُنسب إلى النبي يحيى عليه السلام والقول المرجح أنه مرّ في تلك المناطق وقد أقيمت هذه المقامات في الأماكن التي مر بها للتبرك.

يتألف المقام حاليا من غرفة المقام وغرفتين لاستقبال الضيوف. وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه تعرض للهدم بفعل الزلزال ثم بني من جديد، والكتابات التي على الضريح تشير إلى أن مجدد البناء هو الوالي أحمد باشا، والمقام مغطى بالقماش الأخضر كبقية المقامات الإسلامية في مدينة صيدا.

وهنا يؤكد المؤرخ الصيداوي الدكتور عبد الرحمن حجازي انه منذ زمن غير بعيد كان اهالي صيدا يزورون المقام ويتنزهون في السهول المحيطة به، غير ان هذ السهول اختفت بفعل العمران، مشيرا الى ان من يشرف على المقام اليوم هم عائلة من آل صالح.

مقام أبي روح

ومن ​مقامات صيدا​ الشهيرة مقام "أبي روح " ويعود إلى الصحابي الجليل شبيب بن نعيم أبو روح الكلاعي الحمصي، ويقع عند منطقة البرغوث، ويتألف من أرض كبيرة اضافة الى مصلى داخله ضريح المقام، غطي بقطعة قماش خضراء كبيرة، كتب عليها: "إن الدين عند الله الإسلام"، وسط غرفة مربعة الشكل تعلوها قبة.

ويؤكد المشرف على المقام القيِّم الشرعي محمد تيسير أرناؤوط لـ"النشرة" أنّ "العقبة الأولى التي واجهتنا هي ايضاح حقيقة هذا المقام للناس، في ظل الشائعات التي وصلت إلى حد الإعتقاد بأن مقامه كان ليهودي، إذ أن المنطقة التي يقع فيها اشتهرت بامتلاك اليهود لها، وخصوصاً انه يجاور مقبرة اليهود ووجدنا صعوبة في العثور على مراجع للكتب أو مؤلفات تؤرخ لحياة هذا الصحابي الجليل "أبي روح"، إلى أن توصلنا إلى بعض الأدلة الدامغة بأنه صحابي، فحفظته في "كتيب" صغير لاظهارها للناس، والحمد لله لقد استجابوا، خاصة بعدما قمنا بترميم وتأهيل مقامه".

مقام الصحابي شرحبيل

اما مقام الصحابي شرحبيل بن حسنة، فيقع شرق صيدا في المنطقة التي تعرف باسم الشرحبيل أو الحبايبة وهو الصحابي شرحبيل بن حسنة بن عبد الله بن المطاع بن عمرو بن كندة، المكنّى بأبي عبد الله، شارك في حروب الردة على رأس قوات المسلمين في جيش خالد بن الوليد في فتح العراق، فشهد معاركه كلها، فتح الأردن، ثم سار مع يزيد بن أبي سفيان في فتح الساحل اللبناني وأقام الجيش الإسلامي إلى الشمال الشرقي من مدينة صيدا وتوفي عام 18 هـ (639 م) وله من العمر67 سنة ويؤكد المؤرخون أنه توفي ودفن في شرقي صيدا التي افتتحها بنفسه عام 15هـ (636 م).

ويقول الصيداوي احمد دندشلي الذي يزور المقام بشكل متواصل لـ"النشرة": "اننا عادة نزور هذه المقامات للتبرك منها، لدينا اعتقاد راسخ انها لاولياء صالحين، لاننا عندما نزورها نشعر برهبة المكان فتخشع القلوب والنفوس وتدعو الله لقضاء حاجتها، الا انها تحتاج الى رعاية واهتمام أكثر".

وهناك مقامات أخرى في صيدا وضواحيها، مقام الزويتيني، صيدون، الست نفيسة، الشيخ محمد ابو نخلة، الشيخ عمر الجلالي، مقام النبي يونس عليه السلام في الجية شمال صيدا، مقام النبي داود عليه السلام، مقام النبي إدريس في الغازية جنوب صيدا ومقام شمعون الصفا، ويقال أنه أحد حواريي المسيح عليه السلام في قرية شمع القريبة من بلدة الناقورة على الحدود مع فلسطين.

زوايا وتكايا

اضافة الى المقامات، هناك الزوايا والتكايا وابرزها زاوية آل جلال الدين، آل البابا، الرفاعية، الشيخ محمود الكبي، آل الدقور، آل الزعتري القادرية، آل كالو وتكيه عبد القادر الجيلاني.

تؤكد كل هذه الزوايا والمقامات على البعد التاريخي لمدينة صيدا، فهذه المدينة العريقة شهدت على حقبات تاريخية كثيرة، وآثاراتها ومقاماتها الصامدة شاهدة على كل تلك الحقبات.