ليس سراً ان قائد الجيش في لبنان غير مذكور في الدستور اللبناني لاعتبار منصبه بمثابة منصب موظف من الفئة الاولى، فيما يرد ذكر "رئيس الجمهورية" في الدستور 42 مرة. وفيما يحظى الرئيس بالاهمية الرسمية في لبنان والخارج، يبقى قائد الجيش في الظل ولكنه يحظى بالاحترام ميدانياً خلال الحياة اليومية في لبنان التي يتولى الجيش فيها القسم الاكبر من الحفاظ على الاستقرار.

اليوم، تطرح مشكلة تعيين قائد الجيش (والقوى الامنية الاخرى، ولكن بالاخص قائد الجيش) معضلة اساسية اوقفت عمل مجلس الوزراء، فيما لم يوقف عدم انتخاب رئيس للجمهورية اي شيء في البلد (شلل المجلس النيابي هو بسبب مواضيع اخرى)، ومن هنا السؤال: هل رئيس الجمهورية اهم من قائد الجيش ام العكس؟

صحيح ان الرئيس يتم انتخابه من قبل مجلس النواب، فيما القائد يتم تعيينه من قبل مجلس الوزراء، ولكن للاجابة على هذا السؤال، لا بد من استعراض بعض النواحي التطبيقية العملية لدور وحيثية كل من قائد الجيش والرئيس. من الناحية السياسية، يتفوق الرئيس على القائد من حيث حرية الكلام ومروحة الاتصالات والحركة، فالأوّل يمكنه اتخاذ الموقف الذي يريد وقتما يريد، فيما قائد الجيش يمكنه الكلام ايضاً ولكنه يبقى مقيداً (من الناحية القانونية)، ولو ان هذا الامر تم تخطيه في كثير من الاحيان منذ سنوات طويلة، مع الاشارة الى ان قرار تحرك الجيش بشكل عام يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء.

ويمكن للرئيس ايضاً لقاء من يشاء وساعة يشاء داخل لبنان وخارجه، ولو ان السفرات الخارجية تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء، ولكنها موافقة تبقى شكلية لان المجلس لن يرفض زيارة خارجية للرئيس مهما بلغ رقمها (العدد الكبير لسفرات رئيس الجمهورية السابق ​ميشال سليمان​ دليل حسي ملموس على ذلك)، فيما لا يملك قائد الجيش مثل هذا الهامش المريح من التحرك.

سياسياً ايضاً، يمكن للرئيس ان يضيّق على قائد الجيش اذا شاء، عبر الاتصالات التي يجريها مع الوزراء في مجلس الوزراء، او خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية، فيما لا يملك قائد الجيش سوى هامش محدود من العلاقات السياسية لن يؤثر بأي حال من الاحوال على رئيس الجمهورية. وفي حين يمكث رئيس الجمهورية طوال فترة ولايته (6 سنوات قابلة للتمديد)، يمكن ان يتغير قائد الجيش قبل نهاية هذه الفترة، ولا يشعر بالتهديد في منصبه سوى من العمر اذا فرض نفسه (سن التقاعد).

باختصار شديد، يظهر ان رئيس الجمهورية يتقدم على قائد الجيش من الناحية السياسية.

اما من الناحية العملية الميدانية، فقيادة الجيش اصبحت، وبفضل الممارسات اللبنانية والاوضاع التي شهدها لبنان، محطة تحظى بنسب عالية جداً للوصول الى قصر بعبدا، ويمكن القول ان كل قائد جيش يصبح (شاء ام ابى) مشروع رئيس للجمهورية مستقبلاً، ويتأثر بطبيعة الحال بالاجواء السياسية المحيطة به بين مؤيدة له ومعارضة لوصوله.

كما انه ميدانياً، يحظى الجيش اللبناني بثقة اللبنانيين كافة، وبشكل اكبر من بقية القوى الامنية، حيث انه يضطلع بمهام امنية ليست من مهامه، وبالتالي من الطبيعي ان يحظى قائده بهالة مهمة من الاحترام والتقدير من جهة، وبحيثية مهمة ايضاً نظراً الى فاعلية الجيش في الحياة اليومية اللبنانية.

وقد يكون العائق السياسي للجيش من حيث تحركه (حاجته الى تفويض من مجلس الوزراء)، امراً ايجابياً على قائد الجيش الذي لن يتحمل اي مسؤولية بالتقصير (خارج امور العمليات العسكرية)، لا بل سيحظى بتعاطف الناس معه كونه لا يملك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ قرارات غير عسكرية، ويكتفي بتقديم المشورة والنصائح ووجهة النظر.

لهذا السبب، غالباً ما تكون العلاقة بين القائد والرئيس ممتازة اعلامياً و"غير بريئة" فعلياً، والقول ان تعيين قائد للجيش بموافقة رئيس الجمهورية لا يقدّم ولا يؤخّر في هذه المشاعر، والتاريخ شاهد على ذلك.

وعليه، يكسب قائد الجيش معركة المواجهة الميدانية والعملية مع رئيس الجمهورية، وبما ان الجيش يحظى دائماً بثقة الداخل والخارج، يمكن القول ان قائد الجيش يبقى عملياً اهم من رئيس الجمهورية، لذلك وبعد غياب الوصاية السورية التي كانت لها اليد الطولى في تعيين قائد الجيش، تكتسب المعركة على هذا المنصب حالياً اهمية فائقة ويجب انتظار ما ستؤول اليه النتيجة: التعيين ام التمديد؟