شكلت مجزرة قلب لوزة التي ارتكبتها جبهة النصرة ، تغيرا كبيرا في الرأي العام لدى ابناء طائفة الموحدين الدروز، ما أدى إلى تحول دراماتيكي على خارطة الصراع. وعلى الرغم من كلام زعيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني قبل ايام من المجزرة، عن ارساله دعاة لتصحيح معتقدات الدروز في ريف ادلب، وهدم مقاماتهم ومزاراتهم، إلا ان صدى هذا الكلام لم يسمع في اماكن تواجد الدروز في بلاد الشام، بفعل التطمينات التي كان ينقلها السياسيون ورجال دين عن الاوضاع الجيدة التي يعيشها بنو قومهم في جبل السماق رغم الكلام الذي يُحكى في الإعلام.

بالتوازي، كانت فصائل المعارضة السورية قد سيطرت على اللواء 52، وبدأت تعد العدة لفتح معركة مطار الثعلة الإستراتيجي في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، حتى هذه اللحظة كانت الصورة غير واضحة بالنسبة لقسم من دروز المنطقة الجنوبية بسوريا (أكبر تجمع درزي في الشرق الأوسط)، هل يدخلون القتال إلى جانب الجيش، أم يقفون على الحياد، علما بأن السويداء كانت من أوائل المحافظات التي أخرجت تظاهرات مؤيدة للرئيس السوري بشار الاسد، وذلك بعد فترة قليلة من إندلاع الأزمة.

وعلى الرغم من إعتبار هذه المحافظة من المحافظات المؤيدة للحكومة السورية، غير ان الحياديين من ابنائها يشكلون ثقلا ايضا في المعادلة، وهؤلاء كانوا بمثابة الشريحة التي عمل الجميع على استقطابها، رجال الدين المؤيدين للدولة وشخصيات سياسية وعسكرية من جهة، والآخرين الذين نادوا بعدم جواز دخول المعارك والإنحياز إلى طرف سوري ضد آخر بحسب رأيهم ويقف الشيخ ابو فهد وحيد البلعوس على رأس المنادين (بجواز عدم نصرة طرف سوري على آخر، إنطلاقا من وحدة الشعب بكل مكوناته وحرمة دم السوري).

وقعت الواقعة في قلب لوزة تزامنا مع فتح المعارضين لمعركة الثعلة، إندفع قسم كبير من الحياديين للدفاع عن المطار بإعتبار ان سقوطه يشكل خطرا كبيرا على محافظتهم، ولم تفلح تطمينات المعارضة هنا، لأن دروز السويداء إعتبروا "ان المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين"، لذلك إندفعوا للمشاركة في المعركة بكل ما أوتي لهم من قوة ووصل الحال بهم حد حمل بنادق الصيد للقتال، فأطاحت المجزرة التي حصلت بحق 23 شخصا بمشروع الحياد الذي كان النائب وليد جنبلاط يعمل لإنجاحه بمساعدة دول عربية واقليمية، وايضا بمخطط المعارضة الراغبة بالوصول إلى دمشق وريفها عبر السويداء.

لم تكتف الأغلبية الدرزية بالمشاركة في الثعلة، بل عمدت الى استخراج شريط الأحداث، فأعادوا التذكير بكلام الجولاني والتطمينات الزائفة، ولم تنفع النداءات الصادرة من وليد جنبلاط بضرورة التحييد، وكان الأبرز، الكلام الذي تم تناقله حول وصول تبعات ما حدث في جبل السماق إلى الشارع المؤيد لوليد جنبلاط، حيث بات الشعور السائد يميل نحو الإعتقاد أن النصرة لا تلتزم بالوعود وتنقض المواثيق، وبالتالي وجب على الجميع الحذر منها، والإستعداد الدائم لقتالها.

هذه الأحداث دفعت إلى طرح تساؤلات كثيرة ابرزها، هل وقع الشرخ بين جنبلاط وقاعدته الشعبية بعد المعارك الأخيرة من قلب لوزة الى السويداء فحضر؟ والجواب بحسب مطلعين، على الرغم من ان النظرة تغيرت الى النصرة، غير ان ليس هناك تباين في الرأي او خلاف مع توجهات البيك، فشارعه بات متيقنا بأن المواقف الصادرة عن جنبلاط يمكن تلخيصها بمقولة "مكره أخاك لا بطل"، وهو رد على كثير من المراجعين بخصوص ما حدث، بلغة عقلانية تقول، "اعطوني خياراً آخر يؤمن الحماية للدروز وخصوصا في جبل السماق المحاصر بكامله من قبل النصرة والذي يعد الخاصرة الرخوة للدروز بحكم تواجدهم القليل مقارنة بباقي المناطق، وأنا مستعد للسير به".

ملاحظة أخيرة، كانت لافتة الإدانات الدولية وبيانات الشجب التي صدرت عقب مجزرة قلب لوزة، ما دفع البعض الى التساؤل، هل يوجد مخطط دولي جديد للدروز، أم ان هذه الدول متضامنة فعلا مع ما حصل بحقهم في ريف إدلب؟