بخلاف ما ذهبت إليه معظم الأوساط الإعلامية والسياسية خلال الساعات الماضية من أنّ رئيس الحكومة ​تمام سلام​ سيدعو لجلسةٍ للحكومة الأسبوع المقبل، متجاوزًا بذلك ما حُكي عن "هدنة شهر رمضان"، صدر القرار بـ"تبكير الموعد"، فحُدّد الخميس المقبل موعدًا لعودة الحكومة للحياة.

إلا أنّ هذه العودة تبقى، رغم كلّ شيء، محفوفة بالمخاطر. فهي قد تحمل بين طيّاتها "الانفراج" بمعنى حلّ الأزمة المستفحلة على قاعدة "اشتدّي يا أزمة تنفرجي"، كما أنّها قد تحمل "الانفجار"، فتشكّل في مكانٍ ما نقطة اللاعودة، بكلّ ما للكلمة من معنى..

حين نفد صبر سلام...

القرار صدر إذاً. صبر رئيس الحكومة نفد، والضغوط التي تُمارَس عليه من كلّ حدبٍ وصوب لم تعد تُحصى. مفعول ما سُمّيت بهدنة شهر رمضان المبارك انتهى قبل أوانه، والمماطلة لم تعد تنفع. وجد الرجل نفسه مضطراً لكسر "الصيام الحكومي"، خصوصًا أنّ كلّ الاتصالات والوساطات لا تبشّر بالخير، في ظلّ إصرار كلّ فريقٍ على موقفه المعروف سلفاً، لدرجة أنّ شيئاً لم يتغير منذ لحظة نشوب الأزمة حتى اليوم.

تقول مصادر وزارية محسوبة على رئيس الحكومة تمام سلام أنّ القرار الذي اتُّخِذ هو تحصيل حاصل، وأنه لو لم يصدر اليوم، لكان يجب أن يصدر بالأمس أو في الغد على أبعد تقدير، لأنّ عدم اتخاذه يعني الاستسلام للفراغ والشلل، الذي لا يمكن الركون إليه في بلدٍ بات الفراغ سمته الأساسية، وهو الذي لا يمكن القبول به بشكلٍ من الأشكال.

وفي حين تشير مصادر سياسية مطلعة إلى أنّ كلّ الأجواء حتى منتصف ليل أمس كانت توحي بأنّ موعد الجلسة حُدّد الأسبوع المقبل وليس هذا الأسبوع، مرجِّحة أن تكون الضغوط على سلام هي التي فعلت فعلها، تنفي المصادر المقرّبة من الأخير كلّ ذلك، واضعة إياه في سياق التحليلات والتكهّنات لا أكثر ولا أقلّ، قائلة أنّ أيّ شيءٍ رسمي بهذا الخصوص لم يصدر نهائياً عن رئاسة الحكومة. وترفض الحديث عن معطياتٍ محدّدة قد تكون دفعت سلام للإقدام على هذه الخطوة في هذا التوقيت، مشيرة إلى أنّ الرجل لم يعد يستطيع الانتظار أكثر ممّا انتظر من دون أن يرى أيّ أفقٍ للحلّ، في وقتٍ يَعرِف أنّ الميثاقية ستكون مؤمّنة كما النصاب، "وبالتالي فإنّ الدعوة وُجِّهت رسمياً لجلسةٍ يوم الخميس، أما قرار حضورها من عدمه فهو شأن القوى السياسية المختلفة وليس شأنه، وهم يتحمّلون مسؤوليّتَه أياً كان".

بندان أساسيان..

وبعيدًا عن مسألة الحضور من عدمه، تُثار قضية جدول الأعمال، حيث أنّ الدعوة للجلسة لم تُرفَق بجدول أعمالٍ محدّد، علمًا أنّ المصادر المحسوبة على رئيس الحكومة تترك الباب مفتوحًا، بالقول أنه ليس واضحًا لغاية الآن. وفي حين يبرز رأيٌ قانوني ودستوري يقول بأنّ جدول أعمال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء يسري أوتوماتيكياً على الجلسة الجديدة، تتحدّث مصادر مطّلعة عن بندين أساسيين يفترض أن يُطرحا على طاولة مجلس الوزراء، وقد يحصل ذلك من خارج جدول الأعمال، وهما ترسيم الحدود البحرية وفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي.

بالنسبة للقضية الأولى، تلفت المصادر إلى أنّ طرحها على طاولة الحكومة يأتي ثمرة لتوافقٍ تمّ على ترسيم هذه الحدود بإشراف الأمم المتحدة ورفض الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق لبنان النفطية والبحرية، ولكنّها تشير إلى أنّ هذا الاتفاق لم ينعكس بعد على موضوع التلزيمات، الذي لا تزال الخلافات قائمة حوله، ولكنّها يجب أن تشكّل أولوية في هذه المرحلة، خصوصًا أنّ كلّ دقيقة يضيّعها اللبنانيون تكلّفهم الكثير، في وقت لم تعد الأطماع الإسرائيلية بثروة لبنان المائية والنفطية بخافية على أحد.

أما في ما يتعلق بفتح دورة استثنائية للمجلس، فتشير المصادر إلى أنّ الاتفاق بشأن ذلك تمّ خلال الاجتماع الأخير بين سلام ورئيس المجلس النيابي، وذلك من أجل إحياء الدور التشريعي للبرلمان، وهو الذي يعاني أيضًا من الشلل كونه لم يعقد أيّ جلسةٍ خلال الدورة العاديّة للمجلس، علمًا أنّ مثل هذا القرار يمكن أن يمرّ من دون موافقة "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، باعتبار أنه يمرّ بمرسوم يوقّعه إلى سلام 13 وزيراً فقط، وهو أمرٌ مؤمَّنٌ كذلك الأمر.

هل يفجّرها "التيار" من الداخل؟

إزاء ذلك، يبقى السؤال الكبير عن موقف "التيار الوطني الحر" من الجلسة الحكومية، كيف لا وهو الذي بات يوصَف بأنه "أمّ الصبي"، بعدما حوّل قضية التعيينات الأمنيات إلى معركة مصيرية ومعركة حياة أو موت يخوضها بكلّ ما للكلمة من معنى. فهل يشارك "التيار" في الجلسة الحكومية، أم يقاطعها على غرار جلسات انتخاب رئيس الجمهورية؟ وهل يواكبه "حزب الله" في قراره هذا، أم يدفعه حرصه على الحكومة لحساباتٍ أخرى؟ وما تداعيات ذلك على الوضع الحكومي بشكلٍ عام؟

لا ردّ حاسمًا في أروقة "التيار" لغاية اللحظة على هذه الأسئلة التي تبدو للوهلة الأولى "تعجيزية". هكذا، نأى معظم نواب وقياديي "التيار" عن التعليق، مفضّلين التريّث بعض الشيء أقلّه حتى تنضج الأمور ويظهر الخيط الأبيض من الأسود، أو بانتظار الموقف الرسمي والنهائي الذي سيصدر عن قيادة "التيار"، في وقتٍ تحدّثت بعض المصادر عن وجود رأيين داخل "التيار"، الأول ينحو صوب عدم الحضور، والثاني يتحدّث عن تفجيرٍ من الداخل.

وحده الوزير ​الياس بو صعب​ خرق "الصمت الإعلامي" الذي يعتمده "التيار" على هامش زيارته وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، فأوحى بشكلٍ أو بآخر بانتصار رأي "المشاركة"، وهو ما تعتبره مصادر سياسية منطقياً، لأنّ "التيار" يدرك أنه سيكون "الخاسر الأكبر" في حال عدم المشاركة، إذ إنّ ذلك سيفتح المجال أمام مكوّنات الحكومة الباقية لتمرير وبتّ ما تريده، وقد لا تشعر بغياب الغائبين عنها، في حين أنّ المشاركة يمكن أن تكون مؤثرة أكثر، بحيث يعمد وزيرا "التيار" إلى عرقلة بتّ أيّ بند، قبل الانتهاء من ملف ​التعيينات الأمنية​.

ما بعد الخميس وما قبله..

تؤكد المصادر أنّ الاتصالات ناشطة بين كافة الأفرقاء لمعالجة أيّ ذيول محتملة تنتج عن الجلسة التي ستعقد يوم الخميس المقبل، خصوصًا أنّ فرص "الانفجار" تكاد توازي فرص "الانفراج"، أو حتى تتفوّق عليها..

وبين هذا المنطق وذاك، يبقى الثابت والأكيد أنّ ما بعد جلسة الخميس لن يكون كما قبلها، فهل تكون عودة الحكومة إلى الحياة نهائية ودائمة، أم تؤدّي إلى ما لا تُحمَد عقباه؟!