تَطرَح دعوة رئيس الحكومة تمّام سلام مجلسَ الوزراء إلى الانعقاد بعدَ غدٍ الخميس، إثرَ توَقّف دامَ ثلاثة أسابيع ونَيِّف، ملاحظاتٍ وتساؤلاتٍ عدّة عن أبعادها والخَلفيّات، في ظلّ استمرار إصرار «التيّار الوطني الحرّ» على أولويّة إقرارِ ملفّ التعيينات العسكريّة والأمنيّة قبلَ أيّ ملفّات أخرى.

فَنّد سياسيّون أبعادَ دعوة سلام هذه وخلفيّاتها، عبرَ تساؤلات وتفسيرات عدّة، أبرزُها:

- أوّلاً، هل إنّ سلام المتمسّك منذ تأليف الحكومة بمبدأ التوافق على اتّخاذ القرارات والمراسيم وتوقيعها بإجماع وزاريّ، والحريص على بقاء حكومته فاعلةً، وعدم تحوُّلها حكومةً تُصَرّف الأعمال مثلَ أيّ حكومة مستقيلة، توَصّلَ إلى توافقٍ ما مع «التيّار الوطني الحر» على ملفّ التعيينات شجَّعه على دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد للبَتّ بها؟

- ثانياً، هل إنّ رئيسَ الحكومة وَجَّه هذه الدعوة استناداً إلى نتائج لقائه السبت الماضي مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في عين التينة، الذي عبّرَ أمامَه عن أنّ الخروج من المأزق الحكوميّ يتمّ بالعودة إلى الدستور الذي يُحدّد صلاحيّات مجلس الوزراء وطريقة اتّخاذ القرارات خلال الجلسات، ما يَعني اعتمادَ التوافق، وإذا تعَذَّر يتمّ اللجوء إلى التصويت؟

- ثالثاً، هل جاءت هذه الدعوة في ظلّ استمرار «التيّار الوطني الحرّ» على أولويّة بَتّ التعيينات الأمنيّة والعسكريّة، والتي يتضامن «حزب الله» معه فيها، بحيثُ يحضر وزراؤهما هذه الجلسة وكذلكَ الجلسات اللاحقة، مُصِرّين على أن تكون تلكَ التعيينات البندَ الأوّل على جدول أعمال الجلسة، ولا يبحثون أو يُصَوّتون على أيّ بندٍ غيرها؟

- رابعاً، هَل دعا سلام إلى هذه الجلسة ممارِساً صلاحيّاته الدستوريّة في هذا المجال، بغَضّ النظر عمّا إذا كانت الجلسة ستنعقِد أم ستتعطّل، في وقتٍ لم يُعرَف هَل سيَعتمد الآليّة المتَّفَق عليها سابقاً في اتّخاذ القرارات والتي تقوم على مبدأ التوافق بدلاً من التصويت، مع اعتبار أنّ القرارات والمراسيم التي تُتَّخَذ فيها يجب أن تحملَ تواقيع رئيس الحكومة وجميع الوزراء لأنّ مجلس الوزراء يتوَلّى في ظلّ الفراغ الرئاسيّ صلاحيّات رئيس الجمهوريّة بالوكالة؟ أم إنّ مجلس الوزراء سيعود إلى الدستور ويلتزم ما ينصّ عليه لجهةِ اتّخاذ القرارات، أي التوافُق أوّلاً، ثمّ اللجوء إلى التصويت بالأكثريّة المطلقة على أيّ قرار، والتصويت بأكثريّة الثلثين الوزاريّة على القرارات المصيريّة.

في هذا السياق، يقول بعض السياسيّين في معرض هذه التساؤلات، إنّ سلام كانَ ولا يزال حريصاً على التزام مبدأ التوافق في اتّخاذ القرارات داخلَ مجلس الوزراء، في ظلّ الشغور الرئاسي، على رغم أنّ لبرّي موقفاً يُشَدّد على تطبيق الدستور في هذا الصَدد، لأنّ مجلسَ الوزراء يتّخذ قراراته عادةً بالتوافق أو التصويت سَواءٌ أكانَ رئيس الجمهورية موجوداً ومترَئّساً الجلسة، أو كانَ المجلس مجتمعاً بناءً على دعوة رئيس الحكومة.

وفي هذه الحال، ليس ضروريّاً أن يحملَ أيّ مرسوم أو قرار يَتّخذه رئيس الحكومة تواقيعَ جميع الوزراء كونه يتوَلّى صلاحيّات رئيس الجمهورية بالوكالة، لأنّ رئيس الجمهورية لا يُصوّت مثلَ رئيس الحكومة والوزراء على هذه القرارات. فصلاحيّات رئيس الجمهوريّة من الناحية الدستوريّة، أنّه يَرأس جلسات مجلس الوزراء عندما يَشاء، من دون أن يكون له حقّ التصويت.

لكنّ فريقاً من السياسيّين يَعتقد أنّ امتناعَ وزراء «التيّار الوطني الحرّ» ومعه وزراء «حزب الله» وتيّار «المردة» وحزب «الطاشناق» عن التصويت على القرارات وعلى توقيع المراسيم، قد يُثير إشكاليّةً سياسية، وربّما قانونيّة ودستوريّة، والبَعض يقول «ميثاقيّة» أيضاً، وكذلكَ قد يَخلق اصطفافاً سياسيّاً جديداً في البلاد، خصوصاً إذا ذهَبَ المجلس إلى التصويت على القرارات بالأكثريّة الوزاريّة لِتَعذّر التوافق، فهذه الأكثريّة متوافرة وتَبلغ 18 وزيراً، في مقابل ستّة وزراء يُمثّلون «التيّار» و«الحزب» و«المردة» و«الطاشناق».

لكنّ هؤلاء السياسيّين يؤكّدون أنّ ما مِن فريقٍ سياسيّ يَرغب في تعطيل مجلس الوزراء المؤسّسةِ الدستوريّة الوحيدة التي لا تزال عاملةً في ظلّ الفراغ الرئاسيّ والتعطيل النيابيّ. غيرَ أنّ الأفرقاءَ المعترضين سيَحضرون الجلسات وسيَظلّون ممتنعين عن البحث في أيّ مواضيع، ولن يتراجعوا قبلَ بَتّ ملفّ التعيينات الأمنيّة والعسكريّة، وبالتالي سيَمتنعون عن توقيع أيّ قرارات أو مراسيم تَحظى بموافقة الأكثريّة الوزاريّة.