لا جديد على الساحة اللبنانية سوى ترقب أملٍ من السماء يحمل السياسيين على التفاهم والتوافق، لتعاود الحكومة عملها، فتقرّ بعض أبسط القضايا المعيشية، بعدما عجزت عن إيجاد حلول لملفات عمرها من عمر الكيان كالكهرباء والماء والطرقات، إلى ملفات أخرى لا نبرح نذكرها كل يوم ونطالب بها المسؤولين للحفاظ على حقوق الناس وتثبيتها.

فليس طبيعياً أن يبقى هذا البلد بلا رئيس وبلا تشريع وبلا حكومة وبلا تفاهمات سياسية.

ليس طبيعياً أن يبقى هذا البلد مشاعاً للسارقين والعابثين والثرثارين والمثبطين.

ليس طبيعياً أن تبقى مؤسسات أمنية وإدارية في حالة الشلل فيما عواصف تهب على الوطن من كل اتجاه.

ليس طبيعياً هذا التفريط بمصالح الناس وأمنهم من خلال بعض من يتبوأ سدة الزعامة والقيادة والمسؤولية الذين لا يؤمنون حتى الساعة أن التكفيريين خطر على لبنان بأسره ولو تجسد لهم هذا الخطر عياناً، وقد تجسّد في طرابلس وعرسال وصيدا!

متى يتحرك الشارع الواعي المثقف؟ متى يتحرك الإنسان اللبناني الشهم والمسؤول لإصلاح ما فسد من أمور السياسة والإدارة والأمن والاقتصاد؟

بعض الزعماء اللبنانيين بات اليوم يراهن على «النصرة» و»داعش» ويُمنّي نفسه بدولة درزية. فهل هذا الزعيم أصيب بعدوى التقسيم التي ضربت المنطقة فرأى في الأمر منفعة أو أنّه لم يكن صادقاً في ولائه للوطن؟

وآخرون يظنون أنّ الفيديرالية حماية للمسيحيين. فهل يعتقد هؤلاء أنّ التقسيم لو وقع في سورية سيكون هناك إمكانية للعيش في حدود آمنة وفي بيئة مستقرة؟

وهناك من ينظر إلى الغرب كحامية للأقليات على رغم إقراره أن الغرب وراء كل هذا الخراب في المنطقة.

عذراً أيها اللبنانيون، لسوف ندفع الثمن إن لم يقف الجميع متضامنين لحماية الوطن.

لسوف ندفع الثمن إن لم نُعِد تحصين دستورنا بقوانين جديدة على ضوء المتغيّرات في المنطقة. نحن نحتاج إلى دستور يساعد اللبنانيين على الصمود والوحدة والتضامن والتكيف مع التحديات الحالية والآتية. لأن هذا الدستور الجامد وهذه الصيغة العقيمة لن يجعلا من الوطن وطناً بل ساحة للفساد والنهب والعبث والتردي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. قد يقول قائل إنّ الوقت ليس مناسباً لأي تعديل. بلى، كلّ وقت هو للعمل. للعمل من أجل تحسين الأوضاع وتحصين الواقع السياسي والقانوني والأمني. إنّ مسؤوليتنا اليوم أن نرفع الصوت عالياً في وجه كلّ مسؤول في الدولة يتخلى عن دوره الوطني بالمراهنة على متغيرات خارجية لتحقيق أهدافه الخاصة. الأهداف الخاصة تعني القضاء على الوطن بأسره. الأهداف الخاصة وروح العنجهية والتكبر والبحث عن الأعذار والمبررات لا تبني وطناً ولا تحميه من الأذى والمخاطر.

نعم، لم ينته الأمر بعد. ليس بسبب الطبقة السياسية، وإنما بفعل المقاومة والجيش اللبناني. النعمتان التي أنعم الله بهما على هذا الوطن حتى لا تنقطع بنا السبل كما هي حال الإيزيديين في العراق. هذا الاستقرار النسبي وملامح الدولة التي نحن بظلها وعدم انجرار اللبنانيين إلى الفوضى التامة حتى الساعة هي بفضل دماء الشهداء من الجيش والمقاومة. من يرد أن يسلم بهذه الحقيقة إنما يقر بالصدق والعقلانية ومن يرفض هذه الحقيقة، وهو يرى ما يرى من مشاهد القتل والترويع في العالم العربي، لا شك أنّه في ضلال مبين!