فلنتخيّل أن الوطن جسدٌ (وهو كذلك مَجازًا)، قصد أطباء ليُطلعهم على أحواله الصحيّة “التعبانة” وليعلن استعداده الخضوع لكلّ أنواع الفحوص. أيّ أمراضٍ حينها يمكن أن تظهر في هذا الجسد الهزيل العليل؟

مع معرفةٍ مسبقة ومحسومة بأن شفاء هذا الجسد سيَعصى على جميع أطباء لبنان رغم كفاءتهم، قد تكون مصارحة الجسد بأمراضٍ تعتريه خير دواء.

- لا حاجة الى صورةٍ للرأس لأنه مقطوع في الأساس، وبالتالي يمكن توفير تكلفة تلك الصورة لصالح أخرى أكثر إلحاحًا.

- المرض الأوّل الذي يمكن أن يظهر هو سرطان التمديد في كلّ الأعضاء بلا استثناء. مدى الحياة المتوقّع الذي يحدّده الأطباء لا يتجاوز منتصف الـ2017.

- تُظهِر الفحوص المخبرية ارتفاعًا حادًا في مستوى دهون السلطات الثلاثية (Triglycérides) لذا ينصح الأطباء بمزيدٍ من الحركة وتلافي الجمود والشلل والحلول السريعة الشبيهة بالمأكولات السريعة.

- لا حاجة الى قراءة نتيجة السكّري التي تقف عند حدود إبر الأنسولين رغم أن الجسد نفسه يطلب غسيلاً للكلى ثلاث مراتٍ في الأسبوع علّه يتنقّى من كلّ الشوائب.

- عن المفاصل لا تسلْ. فهي تشبه مفاصل الدولة التي لم يعد التزييت ينفع معها حتّى.

- القلب “بالويل”. فنبضاتُه غير منتظمة وغالبًا ما ترتبط بضيق تنفّس تعاني منه الجمهوريّة كفيل بتعريضها لذبحاتٍ صدرية.

- فحوص الأذنين والغدد تُظهر رابطًا عضويًا بين مرضها المشترك: آذان قادة الجسد صمّاء تمامًا كما الغدد الصمّاء التي من المفترض أن تفرز هرمونات بيولوجية وإذ بها تفرز هرمونات طائفيّة.

- حار طبيب الأنف في نتائج الفحوص التي أظهرت أن أنف الجسد الوطني يعاني من الجيوب. مفاعيل تلك الجيوب التي تحمل مالاً حرامًا انتقل الى الأنف على ما يبدو.

- لم يكن غريبًا ظهور نوع من “الزايدة” لجهة اليسار من هذا الجسد “المعتّر”، ولعل التفسير الوحيد الذي كتبه الطبيب على الورقة هو: “اللي بيفقّوا بذر كتار”.

- في فحصٍ سريع للعينين ليقين الطبيب المُختص المسبق بأن العمى مستشرٍ أو بالأحرى الاستعماء، ظهرت مياهٌ زرقاء وسوداء وأغشية تحجب رؤية الحقّ. كما بدت مؤشرات عمى ألوان وهو مبرّر في الرأي الطبي لكثرتها.

- الحساسيّة تُنهِك هذا الجسد. فموقعه حسّاس، ونسيجه الطائفي حسّاس، وجغرافياه حساسّة والإكزيما تعتري وجهه الحضاري (اللا). يوصي الأطباء بتخفيف الزيارات الى قصر بعبدا تلافيًا للغبار.

- رغم أن الفحوص على منطقة الرأس لم تكن واردة، إلا أن عوامل أخرى ساهمت في كشف الأطباء عن طرف ألزهايمر (خَرَف) قابل للتطوّر كما أنه معدٍ ويهدد بالانتقال الى كلّ الأجساد داخل الوطن الواحد إن لم يكن قد انتقل وانتهى.

- أكثر ما يعاني منه هذا الجسد بالتحديد هو الباركنسون أو ما يُعرَف بالشلل الرعاشي. فالشلل موجودٌ - والحمد لله نعمة كريم- في كل مكان، أما الرُّعاش فيعبّر عن حالة الجسد الذي لا ينفكّ يهتزّ ويهزّ.

- تدخّل طبيب الأسنان في مروحة الفحوص يشي بأن السوس يستوطن فم الجسد وينحر بنيرته. ينصح الطبيب بقلع كل الأسنان وتركيب “طاقم” جديد ولو اصطناعي من خارج الأسنان الإقطاعية التي أثبتت هشاشتها.

- بعد الغوص والتمحّص في الأجهزة، ظهرت بعض المشاكل في الجهاز الهضمي الذي يعاني صعوبة في هضم الكثيرين، وفي الجهاز التناسلي الذي “يبذّر” أجيالاً طالحة. أما جهاز المناعة فحيّر الأطباء نظرًا الى فعاليته رغم كلّ الأمراض وتأثيراتها الجانبية.

- بالانتقال من الأمراض العضوية الى الأمراض النفسية العصبيّة، تبيّن أن الجسد يعاني فصامًا أو بلغةٍ علميّة اضطرابًا ثنائي القطب أولهما لجهة الجنوب وثانيهما لجهة الشمال.

- وأخيراً، خضع الجسد بحياءٍ لفحوص شرجية كشفت عن إصابته بمرض السيدا لسببٍ واضح وضوح الشمس: لا وقاية له أمام كل من يحلو له أن...

• بحثًا عن وصفة رئاسيّة موحّدة.