تجاهل "تيار المستقبل" ورئيس الحكومة ​تمام سلام​ كل الضجيج والصراخ الصادر عن نواب ووزراء وقياديي "التيار الوطني الحر" واتفقا مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على عقد جلسة حكومية متجاهلين في جدول الأعمال الموزع حتى ادراج بند التعيينات الأمنية الذي يطالب به رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بندًا يتيمًا على هذا الجدول.

وتشير كل المعطيات الى ملامح صفقة تمت بين "المستقبل" وبري على عقد جلسة حكومية قد تكون يتيمة قبل عيد الفطر على أن يتم خلالها البحث بملفات غير أساسية، قد يليها جلسة أخرى في شهر آب بانتظار ما سيحمله شهر ايلول من مستجدات للمنطقة ولبنان.

وتكشف مصادر معنية في قوى "​8 آذار​" عن وعود تلقاها بري من "المستقبل" بالعمل على عقد جلسة تشريعية بعد اتخاذ قرار بفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، الا أن هذا القرار ليس حتميا والأمور في هذا السياق تبقى في اطار الوعود. وتضيف المصادر: "قد اكتفى بري بالوعود لعقد الصفقة الأخيرة كونه مقتنع أصلا بعدم جدوى تعطيل الحكومة أو فرط عقدها وهو ما عبّر عنه أكثر من مرة معارضا وبقوة تحركات عون الأخيرة".

واذا كان "حزب الله" يجد نفسه مضطرا لمسايرة حليفه المسيحي الأول العماد ميشال عون من خلال دعمه في اي خطوة يتخذها بالسياسة الداخلية، لا يجد بري ما يلزمه بكسب رضا الجنرال، لا بل يتمادى الحليفان اللدودان في توجيه الصفعات لبعضهما البعض الواحدة تلو الأخرى. ويندرج موقف بري من الوضع الحكومي في اطار الرد على موقف عون من "تشريع الضرورة"، كما يأتي التناقض في مواقفهما من تجديد ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي في سياق الحرب الصامتة الطويلة بينهما.

ولعل سياسة ومواقف بري هي التي تضر بالتيار البرتقالي أكثر مما تضر به مواقف أخصامه المسيحيين ومواقف التيار الخصم، "تيار المستقبل"، باعتبار أن هؤلاء كانوا واضحين منذ البداية باتخاذهم خيار رفض كل ما يطرحه الخصم ميشال عون... أما تمادي بري برفض مشاريع عون ووقوفه حجر عثرة في طريقه فهو ما يفقد الأول صوابه خصوصًا وأنّه غير قادر على الخروج لاعلان طلاقه مع "أمل" مسايرة لـ"حزب الله" الذي أعرب أكثر من مرة عن استعداده لدفع أي ثمن مقابل استمرار وحدة الصف الشيعي.

وتشير المصادر الى اتفاق عقده بري مع سلام على عدم مناقشة موضوع التعيينات غير الامنية او موضوع الموازنة او غيرها من الملفات الحساسة بغياب وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" و"حزب الله" حتى ولو أنّه تم ادراجها على جدول الأعمال، لافتة الى ان رئيس الحكومة سيعمد الى القفز فوقها متفاديا اطلاق عامل استفزاز اضافي لرئيس تكتّل "التغيير والاصلاح".

ويبدو أن العماد قهوجي هو الذي سيخرج منتصرا من المعركة الأخيرة بتمديد ولايته لعامين اضافيين، أما عون فيقف حائرا ومتخبطا باعتبار أن الحكومة عادت للاجتماع وأعضاؤها تجاهلوا تماما ما يطالب به "التيار الوطني الحر"، فلا هو قادر على سحب وزرائه وفرط عقد مجلس الوزراء باعتبار ان "حزب الله" أبلغه صراحة أنّه لن يسايره بخطوة مماثلة، ولا هو قادر على تحريك الشارع نظرا لحساسية الوضع الداخلي المهدد بالانزلاق الى البركان المذهبي–الطائفي المشتعل في المنطقة في أي لحظة.

بالمحصلة، هي ليست الا جولة خاسرة تضاف الى سلسلة الخسارات التي مني بها عون في الآونة الأخيرة، كما أنّها ليست الا حلقة من حلقات صراع عون–بري الذي ما يلبث أن يهدأ ليعود محتدما أكثر مما كان في يوم من الايام كاشفا عن عداوة بين الرجلين لم تستطع أن تبددها لا الأيام ولا السنوات ولا الحلف الهش الذي يجمعهما.