إعتلى مسؤول لبناني سابق رفيع المستوى مناصب رسمية هامة عِدّة ولم يزل بعداد الصف الاول في تصنيف السياسيين اللبنانيين. قام مؤخرًا بزيارة غير رسمية بحُكم الصداقة التي تربطه مع بعض موظفي صناع القرار في الخارجية الاميركية وبعض رؤساء مراكز الابحاث في الولايات المتحدة، مستطلعاً آفاق المخططات والنوايا الاميركية لمستقبل منطقتنا في ظل الحديث عن قُرب التوصل لاتفاق مع ايران حول الملف النووي الايراني على رغم تصاعد غبار الفوضى والارهاب الذي يضرب المنطقه برمتها..

من ضمن اللقاءات التي اجراها هذا المسؤول اللبناني لقاء هام مع مسؤول كبير في الخارجية الاميركية أُوكِل اليه ملف الشرق الاوسط، ولا بدّ ان نشير الى ان هذا المسؤول في الخارجية الاميركية عَمِلَ في السابق سفيرًا للولايات المتحدة في لبنان ولفترةٍ طويلة.

في بداية اللقاء دار الحديث عن الارهاب الذي يضرب المنطقة، فما كان من الشخصية اللبنانية إلا القيام بتوجيه سؤال عن سبب الارتباك والتردد الاميركي الواضح في محاربة الارهاب وعدم التماس أيّ جدية من قبل الادارة الاميركية والتحالف بوقف تمدد هذه التنظيمات التي باتت تهدد كل المنطقة وحتى اوروبا.

الا ان المسؤول الاميركي اجاب بان الادارة الاميركية تقوم بما يلزم لمحاربة الارهاب، لكنه اردف قائلا، يجب ان يفهم اصدقاؤنا باننا في اميركا ندعم الاسلام المعتدل ونعمل على تقويته.

يعود الكلام للشخصية اللبنانية، متوجها بسؤال اخر قائلا انتم في الولايات المتحدة تريدون دعم الاسلام المعتدل! ونحن عندما كنا في سدة الحكم لم نلحظ دعمكم لنا مع اننا ننتمي للاسلام المعتدل؟

ضحك المسؤول الاميركي مجيباً يا صديقي انتم في نظرنا لستم في عداد الاسلام المعتدل لاننا نحن في الادارة الاميركية نتطلع لاسلام معتدل يعترف بوجود اسرائيل وانتم لا تعترفون باسرائيل.

فهمت الشخصيه اللبنانيه الرساله الاميركية الصادمة واقفلت عائدة تجرجر الخيبة والصدمة من الموقف الاميركي.

من هنا نفهم ان حكم "الاخوان المسلمين" المدعوم من الولايات المتحدة كان سيؤدي الى الاعتراف باسرائيل وصولا للتطبيع الكامل معها من قبل حكم اسلامي معتدل.

من هنا جاءت رسالة الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي معنونه (العزيز نتنياهو).

من هنا فهمنا ان بعض دول الخليج العربي المعتدلة اللاهثة خلف تسويق ما يسمى المبادرة العربية المنبثقة عن القمة العربية في بيروت عام 2002 تمهيدا للاعتراف باسرائيل وتبادل التمثيل الدبلوماسي الكامل وهذا ما دفع بعض الذين تبوأوا مناصب حساسة ورسمية سابقا في المملكة العربية السعودية وقطر، ومنهم لم يزل يشغل منصبا رسميا حتى الان ورؤساء مراكز ابحاث تابعة للدولة السعودية، وباذن رسمي من السلطات الرسمية بالسماح لهذه الشخصيات العربية بلقاء مستشاري رئيس الوزراء الاسرائيلي علنا بحجة شرح فوائد المبادرة العربية التي تلغي حقيقة اغتصاب واحتلال فلسطين من قبل العدو الاسرائيلي والقبول بما تم احتلاله من قبل العدو الاسرائيلي قبل الرابع من حزيران من عام 1967 واللافت ان العدو الاسرائيلي وفي عدة مناسبات اعلن رفضه التام للمبادرة العربية.

من هنا نفهم سبب ادراج تنظيم "الاخوان المسلمين" على لائحة الارهاب وما لبِث ان تم سحبه عن قائمة الارهاب بضغط اميركي واضح و فيما بعد تم تجاوز كل الخلافات بين قطر الاخوانية والسعودية الوهابية لبناء تحالف سعودي قطري تركي لمواجهة محور الممانعة الايراني العراقي السوري اللبناني.

من هنا نفهم الدعم الاميركي السعودي القطري التركي لما يسمى المعارضة المعتدلة في سوريا التي تلقى الدعم المطلق من العدو الاسرائيلي من فتح مستشفيات ميدانية اسرائيلية على خطوط المواجهة مع الجيش العربي السوري بهدف تقديم العلاج للجرحى واستصراح الجرحى من النصرة واخواتها عبر شاشات التلفزة بانهم يريدون قتل العلويين والشيعة والدروز وبانهم يحبون اليهود اضافة للدعم العسكري واللوجستي لتنظيم النصرة والقاعدة واخواتها.

بدورها "حماس" ذات الانتماء الاخواني بمكتبها السياسي التي اخطأت بالاستراتيجيا وعملت ضد النظام السوري الذي مد لها يد العون واحتضنها في سوريا العروبة لعقود من الزمن تحاول اليوم بناء جسور هدنة طويلة مع العدو الاسرائيلي تمتد لخمس سنوات مقابل بناء ميناء عائم وباشراف دولي في بحر غزة وتسهيل مرور وعبورالفلسطينيين ووعد بفتح معبر رفح للسماح بدخول مواد البناء لاعادة اعمار ما دمرته الة الحرب الاميركية التابعه للعدو الاسرائيلي.

لكن في حقيقة الامر فان الهدف من وراء هذه الهدنة هو ضرب روح المقاومة الفلسطينية واستفراد المقاومة اللبنانية وسوريا وتقطيع اوصالها ومحو عقيدة العداء لعدو اسرائيلي احتل فلسطين.

من هنا ندرك لماذا اردوغان وحزب التنمية والعدالة يستميت بدعم تنظيم "داعش" واخواتها في العراق والشمال السوري بهدف تحقيق حلم الولايات المتحده الرامي لدعم الاسلام المعتدل المطواع للارادة الاميركية الصهيونية بتأمين وابراز منظومة جديدة للاسلام العادل والقابل بكيان صهيوني ضمن جغرافيا بلاد الشام عبر انشاء اقليم سني في محافظة الانبارالعراقية متصلا وداعمًا لتنطيم "داعش" في الشمال السوري لقطع التواصل الجغرافي لمحور الممانعة والمقاومة بين ايران والعراق وسوريا ولبنان.

من هنا نفهم لماذا ابصرت الاقمار الصناعية واستنفر التحالف عندما اقتربت جحافل "داعش" من اربيل وهددت الاقليم الكردي السني الذي يعترف ويتعاون امنيا وسياسيا واقتصاديا مع الكيان الصهيوني فقامت اميركا بضرب "داعش" واوقفت تقدمه نحو اربيل واجبرته على التراجع.

من هنا ادركنا سبب وجود وتعاظم قوة "داعش" وتوسعها اللافت مع تصاعد وتيرة الارهاب في الوطن العربي خصوصا بالعراق وسوريا منذ عام ونيف وعند اطلاق ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب الذي وعدنا بالقضاء على ظاهرة ارهاب تنظيم "داعش" وتوابعه خلال اشهر قليلة ليطل علينا منذ ايام قليلة قائد الجيوش الاميركية الجنرال ديفيد باتريوس قائلاً ان القضاء على "داعش" ربما يحتاج لعقود من الزمن..

واذا انتبهنا لوظيفة الاقمار الصناعية الأميركية لوجدنا انها اصيبت بالعمى المفتعل لعدم كشف او رؤية جحافل "داعش" واخواتها مدججة بالسلاح والمدافع وقوافل السيارات التي تمتد لعشرات الكيلومترات بين العراق وسوريا والعجز عن ضبط الحدود التركية المنفذ الاساسي لتجنيد المقاتلين وتهريب السلاح للتنظيم اضافة للتلكؤ الفاضح بضبط المطارات ومراقبة مراكز الدعم المالي للتنظيمات الارهابية المتصاعدة في بلادنا.

من هنا نزداد يقينا يوما بعد يوم ان الذي تمر به اقطارنا العربية وخصوصا سوريا ولبنان والعراق هدفه ضرب الهوية والمجتمع العربي وبالاخص البيئة الحاضنة المؤمنة بفكرة القومية العربية وبرفض الاحتلال الاسرائيلي ومقاومته ومسح فكرة المقاومة ضد هذا العدو ونسيان فلسطين واهمالها وانه طالما رفضنا الاعتراف باسرائيل وتمسكنا بمقاومة الاحتلال ورفض الاذعان لرغبة اميركا فانه علينا ان نتهيأ لحرب وفوضى مذهبية اثنية عرقية طائفية طويلة الامد بقيادة تنظيم "داعش" وبتحريك مباشر من المخابرات الاميركية ووضع امتنا العربية امام خيارين لا ثالث لهما، اما القبول باسرائيل دولة معترف بها مع تطبيع كامل وتبادل اقتصادي مع ضمان تفوق اسرائيل علينا نحن العرب عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا!! عندها فقط سيعمل ما يسمى التحالف لمحاربة الارهاب للاستنفار والانتفاض وضرب هذا التنظيم، وانهاء ما ابتلينا به من ارهاب وفوضى الذي لن يستثني احدا من امتنا العربية المقاومة.

واما فان زراعة فيروسات في حواسيب وجغرافيا وعقل مجتمعاتنا في الوطن العربي اسمه "داعش" ومتفرعاته سيبقى يعيث بالارض العربية فسادا وتهديدا وارهابا وقتلا وتنكيلا وذبحا وتهجيرا وتفجيرا وتشويها لمنظومة العروبة ولفكرة المقاومة وشيطنتها وتصويرها بانها مذهبية لبث الفتنة بين سنة وشيعة وعلويين ودروز واكراد وتخويف مسيحيي المشرق بانهم مستهدفون.. وكل ذلك يتم عبر وسائل وغرف اعلامية مفبركة خليجية اميركية وبتمويل من دول اسلامية خليجية "معتدلة".

نحن من جهتنا فهمنا والتزمنا القرار الاسترتيجي التاريخي بعدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني ومقاومة هذا المشروع الاميركي الداعشي مهما بلغت التضحيات حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني شاء من شاء وابى من ابى مهما طال الزمن وسنبقى متمسكين بهويتنا القومية العربية وبوصلتنا فلسطين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعد لقائه يوم امس وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال يجب العمل على قيام تحالف اقليمي بغطاء دولي لمحاربة الارهاب، فهل تتعظ تلك الدول المسماة معتدلة والداعمة لهذا الارهاب بعد ان ارتد الارهاب عليها وضربها في وسط الجسد الخليجي؟ القادم من الايام سيثبت لنا انهم لن يتعظوا...