من الخطأ النظر الى الأزمة السياسية التي تعصف بالحكومة من الزاوية الداخلية فقط. فالمسألة تبدو أبعد من حدود لبنان، والبصمات الخارجية موجودة، ولو أنها غير ظاهرة للعيان.

بداية، سمع رئيس الحكومة تمام سلام تشجيعاً بضرورة عقد جلسة لمجلس الوزراء، ولو أدّى ذلك الى تصاعد السجال السياسي بهدف صرف الأنظار عن النزاع الكبير الذي رافق شريط سجن رومية.

يومها أيضاً كان لا بدّ من النظر الى ما بعد الحدود، وساد همس واسع عن زيارة سلام الأخيرة للسعودية والعشاء التكريمي الذي أقامه له وليّ العهد الامير محمد بن نايف والذي غاب عنه الرئيس سعد الحريري. ونقل أعضاء الوفد اللبناني عن وليّ العهد السعودي إشادة كبيرة بوزير الداخلية نهاد المشنوق، ثمّ ظهر الشريط في لبنان ومعه هتافات ضدّ المشنوق وتعليق يافطات مندِّدة به.

والواضح أنّ المشهد الذي أغلق (ظاهرياً على الاقل) على زغل لا يزال يختزن ألغازاً ورسائل مرمّزة كثيرة. فكان لا بدّ من نقل الصورة في اتجاه اشتباك آخر وكانت الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء من دون التمهيد الفعلي لها. صحيحٌ أنّ وزير التربية الياس بو صعب التقى نادر الحريري، لكن لم تظهر أيّ نتيجة من اللقاء.

جرى عرض سلة حلّ متكاملة من ثلاثة اضلاع تقوم على:

1- إعادة فتح مجلس النواب.

2- إعادة جلسات مجلس الوزراء.

3- البت أولاً ببند التعيينات الامنية، ولو اقتضى ذلك اتخاذ القرار الآن وتنفيذه في موعد لاحق.

لكنّ جواب الحريري كان بعدم استعجال الأمور طالباً مزيداً من الوقت لأنّ الامور لم تنضج.

الواضح أنّ صداماً سيحصل في مجلس الوزراء، وأنّ «حزب الله» أبلغ الى الجميع التزامه تحالفه مع العماد ميشال عون. و»حزب الله» الذي تواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي أبلغه أيضاً التزامه السقف الذي وضعه رئيس المجلس النيابي، أقله في هذه المرحلة، والقائم على عدم الخروج من الحكومة والاستقالة منها.

في اختصار «المشكل» مسموح إذا لم يكن مطلوباً من البعض، على أن لا يتخطى الحدود ويصل الى حدّ انهيار الحكومة.

لكنّ وزراء «التيار الوطني الحر» وفي حال إصرار سلام على تجاوز بند التعيينات الأمنية، سيباشرون فتح ملف «الحقوق» والصلاحيات والنفاذ منها لاحقاً الى قلب اتفاق الطائف، هذا إذا لم يرفع سلام الجلسة قبل تفاقم السجال.

وعلى رغم «وعود» تيار «المستقبل» وتوجّه النائب وليد جنبلاط لتعيين ضابط جديد في رئاسة الأركان في آب المقبل، إلّا أنّ الرهان على حلول داخلية للنزاع الحاصل يبقى رهاناً غير واقعي. ذلك أنّ البعض يتحدث عن اعتراض سعودي «تأثرت» به فرنسا ليصبح موقفها مشابهاً لموقف الرياض. ولا حاجة للتذكير بالهبة السعودية للجيش والتي تتولّى باريس تنفيذها إضافة الى استثمارات وعقود سعودية هائلة لمصلحة فرنسا.

من جهة أخرى، فإنّ واشنطن ليست بعيدة من كلّ هذه الحركة التي تضجّ بها الكواليس السياسية اللبنانية. وفيما تُبدّي العاصمة الاميركية أولوية الحرص على الجيش ودوره ووحدته وفعاليته فإنّها تشعر بعاصفة سياسية آتية قد تفتح الأبواب أمام «حزب الله» لأخذ الوضع في اتجاه مسار المؤتمر التأسيسي.

لذلك يسمع الذين يلتقون السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل قلقه من ذهاب الأمور الى انفجار سياسي في أيلول المقبل، وبالتالي ضرورة تدارك هذا المسار التصاعدي وسط الأهوال التي تضرب سوريا والمنطقة. لكن وعلى عكس هذه الصورة فإنّ الامور لا تبدو مقفلة بكاملها. فالأوساط الديبلوماسية وللمرة الاولى منذ نحو السنة بدأت تتحدّث عن مشهدٍ جديد في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران.

وصحيح أنّ هذه الاوساط تعترف بتعقيدات كبيرة وهائلة تختزنها ملفات سوريا والعراق واليمن، إلّا أنها تشير الى أنّ الملف اللبناني يبقى قابلاً للمعالجة كونه الأقل تعقيداً بين الملفات الاخرى.

وتدرك هذه الاوساط أنّ مصلحة إيران ومعها «حزب الله» قد تكون بربط الملفين السوري واللبناني ووضعهما معاً على طاولة التسويات، خصوصاً بعد المستجدات التي طاولت الخريطة السورية إثر التطوّرات العسكرية الأخيرة، إلّا أنّها تأمل أن تسمح تفاهمات حول الخطوط العريضة في سوريا بإنجاز تسوية سريعة في لبنان. وبالتالي فإنّ الانفجار السياسي في ايلول والذي يبدي هيل خشيته منه، قد يشكل مدخَلاً ملزماً لإنضاج التسوية في لبنان.

بالتأكيد لا أحد يستطيع ضمان حصول تسوية في الخريف المقبل، لكن بالتأكيد فإنّ كلاماً جديداً يجرى التداول به حول لبنان بعدما كان وضع على الرف طوال المدة الماضية، والحماوة السياسية الآخذة بالتصاعد قد تساهم في إنضاج تسوية ما، فيما أصبح كثيرون محشورين في عنق الزجاجة.