قرر الإيرانيون والغربيون تمديد المفاوضات النووية إلى شهر تموز، والذي يمكن ألا يكون الموعد النهائي لمفاوضات العصر الطويلة والمتشعبة الأهداف والشركاء والنتائج؛ من باب تسوية الملف النووي الإيراني، الذي تعرّض لعملية "بلطجة" أميركية - "إسرائيلية" تؤكد ازدواجية المعايير الدولية والأخلاقية عند الدول الغربية التي تُحكم بقانون القوة وليس بقوة القانون، فلا تطبَّق القوانين الدولية إلا على الدول الضعيفة، أو التي تفترضها ضعيفة وتعتدي على حقوق شعوبها بالحصار ومنع بيع ثرواتها بسعرها الحقيقي (النفط..)؛ في عملية قرصنة موصوفة وواضحة، وكل ذلك باسم القوانين الدولية التي لا توقّع عليها أميركا (المحكمة الجنائية الدولية..) أو "إسرائيل" والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فتصنع القنابل النووية خلافاً للقانون، وتطالب بمنع إيران من تقدّمها النووي، وتحرّض بعض العرب للصراخ خوفاً، مع كل التطمينات المعطاة لها إيرانياً.

لقد راهن الغرب على ابتزاز إيران للتنازل عن إنجازاتها التي كلّفتها الأثمان الباهضة من الحصار وعرقلة التنمية واغتيال العلماء، والتشهير الدولي، وتحريض المحيط العربي، علّها تنهار، خصوصاً مع بدء الخريف العربي الدموي، والفتن المذهبية التي أشعلتها أميركا بواسطة التكفيريين، بالتلازم مع استغباء الدول الخليجية وابتزازها مالياً عبر إلزامها ببناء مفاعلات نووية ستبقى تحت إدارة الخبراء الأجانب، والتي ستكون مفاعلات نووية فرنسية وأميركية و"إسرائيلية" خارج أراضي هذه الدول؛ حفظاً للبيئة من النفايات النووية والثغرات الأمنية، وبتمويل خليجي، فتُنجز هذه الدول أبحاثها العلمية على نفقة الأغبياء من العرب، كما فعلت مع شاه إيران الذي بدأت أميركا وألمانيا بتأسيس مركز الأبحاث النووي في طهران في الخمسينات، وقامت الثورة في 1979 ولم تنته الأعمال فيه بعد، وهذا ما سيكون عليه حال مفاعلات السعودية وإيران، إن لم يك أسوأ.

لقد مُدِّد موعد الاتفاق النهائي بانتظار أمور ثلاثة:

1- انهيار المفاوض الإيراني، مما يدفعه للتنازلات التي تهشّمه شعبياً واستراتيجياً، وتقيّده في المستقبل لعقود طويلة، وإعادته إلى بيت الطاعة والمراقبة الأميركية، بعد فترة تمرّد قاربت الأربعين عاماً، خسر فيها الغرب الكثير من المصالح، وتمّت عرقلة مشروعه باحتلال العراق وغزو لبنان، وتصفية القضية الفلسطينية، وتقسيم سورية وإنهاء المقاومة.

2- نتائج الميدان العربي في المواجهة المستمرة مع المشروع الأميركي - "الإسرائيلي" بأدوات تكفيرية متعددة، والذي قام بالتخريب والترهيب ولم يحقق الانتصار أو إنجاز المشروع الأميركي حتى الآن، وتراهن أميركا على تحقيق إنجازات ميدانية في اليمن خصوصاً لإنقاذ السعودية من ورطتها التي بدأت ارتداداتها تظهر في الداخل السعودي، وستتفاقم أكثر، بالإضافة إلى الانفعال والارتباك حد الجنون في السياسة السعودية، والتي بدأت تصيب المصالح الأميركية بالأضرار المالية والاستراتيجية (الانفتاح السعودي على روسيا..)، وكذلك الميدان السوري العراقي المشترك، حيث لم تُنجز الجماعات التكفيرية مهامها المطلوبة، بل بدأت بالتراجع نسبياً، ولم تتقدم إلا في عمليات القتل واستدراج تركيا للتدخل الميداني لمنع قيام كيان كردي مستقل في سورية يهدد الجغرافيا التركية.

3- إنجاز صفقات السلاح والمفاعلات النووية الغربية مع دول الخليج قبل توقيع الاتفاق النووي، بالاستفادة من الخوف الخليجي الموهوم الذي تديره "إسرائيل" بإتقان، لحشد أكبر تكتّل عربي ضد النووي الإيراني.

والسؤال: ماهي تداعيات توقيع الاتفاق النووي أو عدم الاتفاق؟ فإذا تم الاتفاق برضى المتفاوضين فإن ملفات ووقائع كثيرة ستتغير ومنها:

1- الاعتراف الدولي بإيران دولة نووية، وهذا من النوادر الدولية في تشريع المنشآت النووية، خصوصاً لبلد إسلامي غير تابع للمظومة الغربية الأميركية، مما يثبت أن المقاومة ستربح وإن طال الزمن، عكس التابعين المستسلمين الذين يُسقطهم أسيادهم لاستبدالهم بأحذية جديدة.

2- رفع الحصار عن إيران، مما يُريح الشعب الإيراني المحاصَر، ويوسّع دائرة التنمية الداخلية، ويعطي زخماً ومصداقية للثورة أمام شعبها.

3- تثبيت إيران قوة عظمى في الإقليم، ولاعباً أساسياً في السياسة الدولية.

أما إذا فشل الاتفاق فسينعكس وفق الآتي:

1- تحرُّر إيران من الالتزامات الدولية بالنووي السلمي، والإسراع في إنجاز النووي العسكري.

2- التصعيد الميداني في هجوم مضاد لحلف المقاومة، وتغيير قواعد اللعبة في المنطقة، مما يهدد السلم العالمي، واستدراج أكثر الأطراف إلى الميدان؛ كما حصل للسعودية في اليمن، و"إسرائيل" مع الدروز في الجولان.

3- البدء بالبحث في الملفات السياسية للمنطقة، ابتداء باليمن ثم سورية والبحرين والعراق ولبنان، لفك الاشتباك السياسي بين السعودية وإيران، ومكافحة الإرهاب الذي بدأ باجتياح الخليج.

هل تستطيع أميركا المغامرة بخوض حروب متعددة أو عالمية في ظل عودة روسيا ودول "البريكس"، وضعف الأتباع والحلفاء، خصوصاً أوروبا التي بدأت تتشظى مالياً وكيانياً، بما يهدد الاتحاد الأوروبي؟

الوقائع تشير إلى عجز أميركا عن خوض الحرب، ولذا فهي ملزمة بالتوقيع، لكنها تماطل للابتزاز أو كسب التنازلات في اللحظات الأخيرة.