يتحضر المسيحيون في لبنان لتلقي ابرة مورفين جديدة، قد تكون سبباً جديداً لاحباطهم بعد ان تلقوا الابرة الاولى من خلال اللقاء الذي جمع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون برئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​. الابرة الجديدة هي عبارة عن استطلاع للمسيحيين لمعرفة من هو برأيهم الزعيم المسيحي الاول، وغني عن القول ان هذه الفكرة هي قيد تداول كثيف في اليومين الاخيرين بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، وقد حملها "التيار" وجال بها على القيادات المسيحية الحليفة والمعارضة على حد سواء لتسويقها.

اللافت ان جعجع نفسه اصبح من اشد المدافعين عن هذه الفكرة، وهو امّن لها الغطاء في اكثر من مناسبة، شارحاً انها لا تتعارض مع الدستور اللبناني.

ولكن، في نظرة سريعة الى هذه الفكرة، يمكن تبيان انها ليست سوى محطة جديدة على طريق المسيحيين نحو... المجهول. وقد تطورت سلباً اذ تغيرت بشكل كبير عما كان مطروحاً من قبل عون(1)حيث باتت محصورة فقط في المسيحيين، واصبحت اقرب الى اخذ الراي منه الى شرط لتحديد هوية الشخص الذي يريده المسيحيون لتولي منصب رئاسة الجمهورية.

هذا التغيير في الموضوع يؤدي الى امور غير مستحبّة تبدأ في الشكل وتنتقل الى المضمون. ففي الشكل، سيتم اضاعة وقت طويل في تحديد المواقع الجغرافية التي يجب تغطيتها من اجل ان يكون الاستطلاع شاملاً (علماً ان المناطق تخضع الى سيطرة فكرية للاحزاب على اختلافها)، والاعمار التي يجب ان يشملها الاستطلاع، والعدد...

اما من ناحية المضمون، فالابرز سيكون اسم الشركة او الشركات التي يجب اعتمادها مع العلم انه كلما تعددت الشركات، زادت مسائل الخلاف حول دقة المعلومات وصحتها. وليس من المنصف القول ان صيغة الاسئلة التي يجب طرحها على المستفتين ستكون مسألة سهلة، بل ستكون معقدة ايضاً لان طريقة طرح السؤال تختلف بين صيغة واخرى...

ولكن، وافتراضاً انه تم تخطي كل هذه العوائق الشكلية، ماذا ستؤثر النتيجة؟ باختصار: لا شيء. فالنتيجة ستظهر ما هو معلوم، اي تفاوت في نسبة تأييد المسيحيين لزعمائهم، مع افضلية غير كبيرة لاحدهم على الآخر. حسناً، وماذا بعد؟ ان تم تطويب عون او جعجع او حتى النائب سليمان فرنجيه او غيره زعيماً للمسيحيين وفق هذا الاستطلاع (الذي لن يبدأ قريباً بطبيعة الحال)، فهل هذا يعني انه سيكون بطاقة العبور الى قصر بعبدا؟

الجواب اتى من افواه الزعماء انفسهم، فعون اوضح ان الاستطلاع ليس ملزماً، وهو موقف جعجع ايضاً، فيما اعلن فرنجيه انه اياً تكن النتيجة فلن يغير موقفه من مرشحه للرئاسة، فيما ابدى الرئيس السابق امين الجميل نوعاً من "عدم المبالاة" بهذا الاستطلاع او بنتيجته.

كل ما يمكن ان يقدمه هذا الاستطلاع يبقى محصوراً بأمر واحد: انه بمثابة وثيقة ترفع الى الخارج للتأكيد على ان اي اسم خارج نادي الاسماء الثلاثة المذكورة آنفاً (عون، جعجع، فرنجيه) لا يحظى بشعبية مسيحية كبيرة، وبالتالي يجب التوقف عن توسيع مروحة الاسماء (العماد جان قهوجي، الوزير السابق جان عبيد، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة...)، والمبادرة مع الخارج الى الاتفاق على اسم واحد من بين هذه الاسماء لحل الازمة، وهو امر سيكون ضمن سلة متكاملة تشمل الحكومة وربما القانون الانتخابي.

انها ابرة مورفين جديدة تحقن للمسيحيين لاظهار ان انقسامهم هو المسؤول عن الفراغ الرئاسي، وان عدم اتفاقهم والتفافهم حول شخص واحد هو السبب المباشر لبقاء منصب الرئاسة دون رئيس، وكل ذلك بهدف تعظيم دور المسيحيين في لبنان والقول لهم انهم ليسوا مجرد عدد في المعادلة اللبنانية.

ولكن واقع الحال يؤكد بما لا يقبل الشك ان الاتفاق المسيحي على شخص واحد هو اعجوبة جديدة ستزيد عدد عجائب الدنيا، وما هو محسوم انه ولو تمت هذه الاعجوبة، فلن يغير المسيحيون المعادلة الموضوعة للمنطقة، وقد يمكن من باب "رفع العتب" وصول من يتفقون عليه (في حال اتفقوا) الى الرئاسة، ولكن من غير الممكن ان يلعب دوراً اكبر مما هو مرسوم له وللبنان بشكل عام في المشروع الجديد للمنطقة.

(1)في 14/5/2015، دعا العماد ميشال عون في مؤتمر صحافي عقده، إلى "اعتماد الانتخابات الرئاسية المباشرة من الشعب على مرحلتين أو لاستفتاء شعبي وينتخب من ينال الأكثرية".