- خلال أربع وعشرين ساعة تلقى اللبنانيون إشارتين من مصدرين مختلفين لا ينطقان عن الهوى، حول مكانة بلدهم في الحسابات المقبلة في المنطقة، بالتزامن مع تلقيهم إشارات مشابهة من ذات المصدرين حول صفة ومبرّر هذه المكانة، ليتساءلوا عن مبرّر التوقيت، وما إذا كان الوقت قد حان للبدء بالتحوّلات الكبرى؟

- لقد سمع للبنانيون سيغريد كاغ ممثلة الأمم المتحدة تقول أثناء جولتها مع وزير الدفاع وقائد الجيش في عرسال كلاماً عن أنّ عرسال خط تماس للبنان وأوروبا في وجه الإرهاب، فتساءلوا عن سرّ تلبيتها دعوة الزيارة التي غالباً ما تكون الموافقة المسبقة عليها شرطاً لتوجهيها ما لم تكن الدعوة أصلاً إطاراً لتلبية الرغبة في الزيارة. وتساءلوا عن سرّ الإشارة إلى موقع لبنان من عرسال في حماية الأمن الأوروبي الذي يشكل قلب الأمن العالمي، والأمم المتحدة تعلم أنها على رغم اتخاذها للجيش عنواناً للزيارة، ووجهة للدعم الموعود، فالفصل مستحيل بين صمود الجيش في عرسال كفرع، وبين الأصل وهو الحرب التي يخوضها حزب الله في وجه تنظيم «القاعدة»، وقتاله وانتصاراته المحققة في جرود القلمون.

- قبل أن تمضي أربع وعشرون ساعة كان يصل إلى بيروت آموس هونشتاين نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة، ليدير وساطة بين لبنان و«إسرائيل» محورها استغلال كلّ من الحكومتين لحقول النفط والغاز، في المناطق البعيدة عن خطوط النزاع لترك الفرصة للحلول الباردة للدخول على الخط، وعدم خلق مناخ من الذعر بين الشركات المهتمة بالاستثمار في هذه الحقول، متحدثاً عن استثمار مئات ملايين الدولارات، وسمع اللبنانيون هونشتاين يتحدّث بالتفاصيل التقنية والمالية والأمنية عن الملف الذي ظهر ممسكاً بأدقّ ما فيه، وهم يتساءلون عن أمرين، لماذا الآن؟ وهل بدأ زمن الاستثمارات؟ ومنذ متى تنتقل واشنطن رسمياً لتكون محفزاً ومشجعاً على تحوّل لبنان إلى دولة نفطية بعدما كانت مانعاً وممانعاً وعقبة؟ وماذا عدا مما بدا حتى هبطت العقلانية على المسؤول الأميركي ليتحدّث عن خطر النزاعات، والمقصود البلد الوادع الضعيف لبنان، ومقابله «إسرائيل» القوة الضاربة في المنطقة، التي تمنحها أميركا كلّ أسباب القوة لتفعل ما تشاء وتضرب مَن ومتى تشاء، خصوصاَ عندما يتصل الأمر بالنفط، الكائن الذي يتقاسم معها محبة الأميركيين وانشغالهم، فيتذكر اللبنانيون أنه زمن الردع الذي فرضته المقاومة وقوتها الضاربة حزب الله.

- سمع اللبنانيون ورأوا، فقال بعضهم فأل خير يرسم خط دعم واعتراف بأحقية لبنان في قتاله على جبهة الشمال الشرقي، وحقوقه في الجنوب الغربي، واعتراف أنّ لبنان في زمن المقاومة في الشمال الشرقي قوة يستقوي بها العالم على الإرهاب، وفي الجنوب الغربي قوة يُحسب لها العالم في عالم النفط الحساب، وأنّ نهاية النفق ربما تقترب من فتحة الضوء، وبعض اللبنانيين لا سمع ولا رأى، لأنه مغشيّ على بصيرته بالحقد والإنكار، فكيف يرى أعمى البصيرة مفتح العينين؟