اسئلة كثيرة بات يطرحها الدبلوماسيون الاميركيون والغربيون خلال زياراتهم للمراجع اللبنانية والسياسية والدينية ولا سيما الاسلامية منها. فالارهاب بات بلاءً عالمياً ويتشظى في إتجاه اوروبا وافريقيا وبات يضرب في قلب باريس وعصب الامتداد الافريقي ومناطق التماس مع الكيان الصهيوني.

يعرف الاميركيون والاوروبيون حقيقة المعرفة الكاملة لاسباب تشظي هذا الارهاب وتمدده نحو بلادهم وهم ُنصحوا بعدم اللعب مع الافعى لكنهم لم يصغوا. احدى الشخصيات الفاعلة التي التقاها موفدون غربيون اخيراً سألوها عن اسباب تمدد الارهاب ومدى علاقة الدين الاسلامي والبعد العقائدي الذي يدفع إنتحاريا مثلاً لتفجير نفسه بمسجد خلال الصلاة او يدفع مسلما الى ذبح مسلم آخر.

لا تتردد هذه الشخصية في الاجابة عن كثير من الاسئلة. وتحمل اسباب انتشار الارهاب وتمدده للتسهيلات التي قدمتها اميركا واسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة للارهاب، وحاولوا استخدامه لتنفيذ مخططاتهم الى اقصى الحدود.

تقول هذه الشخصية ان اي مخطط اميركي يحتوي على امرين البداية والنهاية والعقدة والحل. لكن في ايامنا هذه المشكلة صارت اكبر من الجميع. وإنفجار المنطقة بات وشيكاً وقاب قوسين او ادنى. فالهلع من تمدد الارهاب الى عمقه الاستراتيجي والذي اصاب بعض الدول العربية والخليجية الدائرة في فلك اسرائيل واميركا وبعض الدول الاوروبية، جعل الاميركيين يعيدون حساباتهم ويتيقنون ان الامور تخرج رويداً رويداً من بين ايديهم. فالوحش الارهابي التكفيري المنحرف يخرج عن السيطرة وبات يؤدي وظائف غير مرسومة له. وتعتبر الشخصية المذكورة ان الاميركيين باتوا على قناعة تامة أن الحوار بين ايران والسعودية هو اقصر الطرق لتطويق الارهاب ومنع تمدده. فمن دون جهود هاتين الدولتين لا يمكن وقف الارهاب وتمدده.

"الدهاء" الاميركي و"البراعة" في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، كان العلامة الراحل المرجع السيد محمد حسين فضل الله اول من قرأه وتمعن في بحره. وهو لطالما حذر خلال حياته من هذا المرض العضال واسمه اميركا وغدته السرطانية واسمها اسرائيل. فكان ان دفع اول اثمان تحذيره من خطورة المشروعين الاميركي والصهيوني في مذبحة بئر العبد في آذار من العام 1985 .ونجا من محاولة الاغتيال الاميركية - الاسرائيلية الشهيرة وبعدها استمرت المحاولات بإعدامه معنوياً وفكرياً وجسدياً وكثيرة هي الاخبار التي تحيط بالعلامة الراحل ومحاولات الاختراق والتصفية التي تعرض لها من بعض المدسوسين حوله.

ووفق العلامة الراحل تجسّد المشروع الاميركي العميق والمزمن لتفتيت المنطقة بصور ومشاهد كثيرة: من الحرب الاهلية التي يؤكد انها من صنع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، لإسقاط القضية الفلسطينية وإخراج بندقيتها في لبنان، الى مشروع الشرق الاوسط الكبير والفوضى الخلاقة التي حذر من خطورتها بعدما تشدق بها جورج بوش الابن الى اتفاق "الطائف" الذي يصفه بأنه اتفاق أميركي بطربوش لبناني وعقال عربي الذي كان لإيقاف الحرب وليس لصنع دولة متوازنة.

في السياسة كما في الفكر الاستراتيجي، قرأ السيد في كتاب تطويق الفتنة السنية- الشيعية ومحاولة تجسيد المشاريع الاميركية فكان أحد المجددين الإسلاميين الكبار في العصر الحالي ومن المؤمنين بضرورة انفتاح الإسلام في إطار النص القرآني وسحب كل الذرائع من النصوص التي تعزز الفتنة والطائفية والغلو والتعصب ومن ابرز الدعاة الى الوحدة الاسلامية والحوار بين مختلف المكونات الاسلامية والحوار الاسلامي- المسيحي.

من تفجير مسجد الحشوش في اليمن الذي كان سبب إندلاع الاحداث الدامية واستجلاب العدوان السعودي عليه، الى تفجيرات المساجد في السعودية والكويت لاتباع المذهب الاحقاقي الى اغتيال ائمة المساجد كما حدث امس في مسجد التل بسورية، الى التفجيرات الارهابية المتنقلة في العراق الى الارهاب الذي يمارسه منحرفون وعملاء يخدمون الاجندة الاميركية والصهيونية، ثمة حاجة الى صوت العقل من جهة لتطويق الارهاب وتجفيف منابع مده بالرجال والمال والعتاد وتحصين البيئات الاسلامية والمسيحية من إمكانية تغلغله فيها بأي وسيلة كانت. ومن جهة ثانية مواجهته بالامن والعسكر والسلام فلا يمكن التفاهم مع منحرف يريد ان يفجر نفسه او ان يقتل ايا آخر مختلفا عنه بالفكر السياسي او الانتماء الديني او المذهبي.

المنطقة على مفترق طرق اليوم فإما ان تقوم هبة رجل واحد لمواجهة التكفير والارهاب وكل اوجه مشاريع الفتنة الاميركية والصهيونية، وإما ان يقع الانفجار الكبير ولا يتوهمن احد انه سيسلم منه من المحيط الى الخليج حتى الى مجاهل الامازون ونهري السين والرين.

في زمن التكفير والارهاب ما احوجنا الى فكر وحضور العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في الذكرى الخامسة لرحيله : في حضرة السيد رائد الحوار والوحدة.