في ظل الصورة الإيجابية، التي يحاول تيار "المستقبل" اظهارها في هذه المرحلة الدقيقة، يبدو أن هناك أزمة حقيقة لم يعد ينفع التغاضي عنها، متمثلة بغياب الشخصية القادرة على ضبط الشارع بشكل فعلي، نظراً إلى غياب الثقة بين الأخير وقيادته، لعدة عوامل أبرزها غياب رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ عن الساحة اللبنانية، وعدم قدرة أي من شخصيات التيار الفاعلة على الحلول مكانه.

في أروقة "المستقبل"، حديث عن أن نتائج التراجع الشعبي في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر بشكل جلي في المرحلة الراهنة، خصوصاً أن التيار لم يكن قريباً من جمهوره مؤخراً، في حين دخلت عليه عوامل جديدة منافسة له، لا سيما التيارات المتطرفة التي تدغدغ مشاعر الجمهور بالخطابات التصعيدية بوجه "حزب الله"، الذي لم يستطع الشارع حتى اليوم هضم ما قام به خلال أحداث السابع من أيار، ولا تدخله في الحرب السورية.

في هذا السياق، تكشف أوساط مطلعة، عبر "النشرة"، عن خلل بات يعتري هيكلية التيار الداخلية، ناتجة عن غياب القدرة على ضبط الشارع بشكل أساسي، وتشير إلى أن غياب القدرات المالية، التي تظهر من خلال عدم دفع رواتب موظفي "المستقبل" منذ بضعة أشهر، تلعب دوراً بارزاً على هذا الصعيد.

بالإضافة إلى ذلك، تكشف هذه الأوساط أن التنافس بين أجنحة التيار المختلفة له دوره في هذه الأزمة، لا سيما أن ما حصل على خلفية الأشرطة المسربة عن "تعذيب" سجناء داخل سجن رومية لا يزال حاضراً في الأذهان، وترى أن تلك الأجنحة تحاول بين الحين والآخر تسجيل النقاط على بعضها البعض، بغية الإثبات أنها الأقوى على الساحة في هذه المرحلة.

على صعيد متصل، تكشف هذه الأوساط عن حضور وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​، في اليومين الماضيين، جلسة الهيئة التنفيذية في التيار، في حين هو لم يكن يشارك في إجتماعاتها لا بصفته نائباً ولا وزيراً، وتشير إلى أن البحث الأساس كان الأشرطة المسربة من سجن رومية، حيث أرادت الهيئة من المشنوق توضيح ما حصل، لا سيما أن نتائجها كانت خطيرة جداً، وتسأل: "إذا كانت الهيئة الأساسية في "المستقبل" بحاجة إلى إيضاحات من قبل وزير الداخلية والبلديات ما هو حال القاعدة الشعبية؟"

وفي حين تتحدث هذه الأوساط عن طغيان الجناح المتشدد بالتيار، في هذه الأيام، تشير إلى أن القيادة تابعت بقلق شديد ما حصل في منطقة السعديات مؤخراً، خصوصاً أن الحادثة كشفت أن الشارع من الممكن أن يفلت من يدها بأي لحظة، وهي تعترف بأنها لا تملك القدرة التي لدى قيادة "حزب الله" على ضبط شارعها بمجرد كلمة من الأمين العام السيد حسن نصرالله، وتضيف: "اليوم تلعب العديد من الجهات دورها في هذا الشارع، وأغلبها لا يفضل نهج التيار المعتدل الساعي إلى الحوار مع الحزب، لا بل يهاجم "المستقبل" إنطلاقاً منه".

وتعترف هذه الأوساط، من دون خوف، بوجود مشكلة حقيقية مع الشارع، الذي باتت الأغلبية فيه تعبّر عن فرحها بأي عملية تقوم بها جبهة "النصرة" أو تنظيم "داعش"، وتؤكد أن هذا الأمر مؤشر خطير جداً بالنسبة إلى مستقبل الأوضاع، لا سيما إذا ما إستمرت حالة الإحتقان المذهبي والطائفي في البلاد والمنطقة لفترة طويلة من الزمن، وتشير إلى أنه في الوقت الذي لا يتنبه فيه باقي الأفرقاء في الوطن لهذه الأزمة، تسعى بعض الجهات المنافسة للتيار في شارعه إلى الذهاب بعيداً في رفع سقف خطابها، من دون التنبه إلى خطورة الوقوع في هذا الفخ.

وفيما بات معلوماً أن وفوداً من التيار ستنتقل إلى العاصمة السعودية الرياض في الأيام القليلة المقبلة، للتباحث في مجمل الأوضاع الداخلية، ترى مصادر نيابية في كتلة "المستقبل"، عبر "النشرة"، أنه يفترض وضع كل هذه الملفات على بساط البحث، حيث بات على تيار "المستقبل" المبادرة بأي طريقة من أجل إستيعاب الجمهور، وتعتبر أن حفلات الإفطار والسحور الرمضانية التي تحصل في بعض المناطق لا تكفي وحدها، خصوصاً أن حجمها تراجع عن السنوات السابقة على نحو لافت، وباتت مقابل بدل مالي بعد أن كانت مجانية.

وفي وقت كانت قوى الثامن من آذار، تتهم "المستقبل" برفع السقف في بعض مواقفه بغية إرضاء الشارع، تؤكد المصادر النيابية في كتلة "المستقبل" أن هذا الأمر لم يعد ينفع على الإطلاق، وتشير إلى إنتقادات كبيرة توجه إليه من قبل المواطنين عند كل لقاء معهم، خصوصاً لناحية إستمرار الحوار مع "حزب الله"، لا سيما أن الأخير هو المستفيد الأول منه لا التيار.

ورداً على سؤال حول الدور الذي من الممكن أن تلعبه السعودية على هذا الصعيد، توضح هذه المصادر أن الرياض تعتبر أن الأوضاع اللبنانية باتت مرتبطة إلى حد بعيد بالأحداث على الساحة السورية، وبالتالي هي على غرار الكثير من الدول الفاعلة ترى أن ليس هناك من تدخل سريع من قبلها لمعالجة المشاكل القائمة، نظراً إلى إنشغالها الكبير بالأحداث اليمنية والخليجية، بالإضافة إلى متابعتها تفاصيل المفاوضات القائمة بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى حول ملف طهران النووي.

في المحصلة، يعاني جمهور تيار "المستقبل" في الوقت الراهن من غياب القائد، القادر على قيادته وحمايته من الأخطار المحدقة، وتعاني قيادة التيار من غياب شخصية تملك قدرات على إدارة المرحلة من دون الوقوع في الأفخاخ المنصوبة.