قبل سنوات، كانت اسواق طرابلس الاثرية مقصدًا لكل السواح الاجانب والعرب، خصوصًا الاسواق التي ما زالت تحتفظ بمعالمها الصليبية والمملوكية القديمة، ومنها خان الخياطين المتخصص حتى ايامنا هذه بحياكة اجود انواع الاقمشة الحريرية والانكليزية.

تاريخ الخان

يعود تاريخ الخان حسب المؤرخين الى ما قبل الصليبيين، فإن طرابلس عندما سقطت بأيدي الصليبيين كان فيها اكثر من ثلاثة الاف عامل يعملون في حياكة النسيج الذي كانوا يستخرجونه من دودة القز، وحسبما ورد في كتاب المؤرخ الدكتور عمر تدمري "تاريخ طرابلس الحضاري والسياسي" فإن تاريخ بناء الخان غير معروف ولكنه يؤكد انه كان "نزلا" للافرنج.

يتميز الخان بعمارة فنية تاريخية نادرة خصوصا القناطر المتراصفة جنبا الى جنب، وبعض الاعمدة المزخرفة البيزنطية، ويتألف الخان من طبقتين، الطبقة الاولى عبارة عن محلات على الجانبين تضم امهر الخياطين حرفية، والطبقة الثانية كانت نزلا للتجار القادمين من بلدان بعيدة. كما اشتهر الخان بحياكة افضل انواع الملابس التراثية كالشراويل والطرابيش والتخاريج وما زال حتى يومنا هذا مقصدا للراغبين باقتناء هذه الملابس، خصوصا الفرق الشعبية التي تتعاون مع خياطي هذا الخان منها فرقة "كركلا" اللبنانية.

معاناة الخان واعتراض التجار

ولكن، منذ ترميم الخان عام 2007 حتى اليوم، استمرت الاعتراضات من قبل التجار الذين رأوا ان الترميم الذي نفذ بهبة اسبانية والذي نفذه حينها مجلس بلدية طرابلس الذي كان برئاسة رشيد جمالي لم يلب طموحاتهم كتجار، بل تسبب لهم بانتكاسة كبيرة، واعتبروا ان هذا الترميم الفاشل مساهم اساس الى جانب العامل الامني بنشوء أزمة اقتصادية لكافة التجار.

ويوضح هؤلاء التجار ان المواد التي استخدمت في الترميم ازالت الوجه الحقيقي لهذا المعلم الاثري التاريخي، حيث تم طلاء الجدران بأسوأ انواع الكلس الذي يفتقد الى الجودة، ويقول اجد تجار الخان لـ"النشرة" في هذا السياق: "واجهنا مشكلة تقشر هذه المادة بعد فترة الأمر الذي تسبّب بالحاق الضرر بمنتوجاتنا، كذلك نوعية الاخشاب ليست جيدة، فبعد فترة سقد احد الابواب على جارنا وكاد يقتله، بينما الابواب الاثرية التي أزيلت بقيت صامدة عدة قرون ولو تم ترميمها واعادتها كان افضل من هذه الابواب الكرتونية". وسأل اكثر من تاجر عن الحجارة الاثرية التي أزيلت: "اين هي، وهل تم بيعها، خصوصا وان هذه الحجارة هي اثرية وقيمتها التاريخية كبيرة جدا؟".

وتحدث احمد حموي احد تجار الخان، عن فشل ترميم الخان، معتبرا ان جميع التجار لن يسامحوا البلدية على ما ارتكبته بحق هذا الخان التاريخي من تشويه له"، مؤكدا ان المبلغ الذي رصد للخان وقيمته 29 مليون دولار كان كافيا لترميم الخان بطريقة فنية عالية خصوصا وان هذا الخان هو جزء من سلسلة اسواق وخانات وحمامات مملوكية تأتي بالمرتبة الثانية في العالم بعد القاهرة، "لكن اذا استمرت عمليات الترميم على هذا النحو فان اسواق طرابلس ستصبح اشبه بالاسواق العادية، خصوصا وان عملية الترميم اختارت ان تكون الابواب نفسها ولون الجدران نفسه حتى بدا الخان كأنه مدرسة رسمية او ادارة حكومية بينما سابقا كان للخان نكهة حيث كان كل تاجر يرمم محله ويختار الديكور الذي يناسبه".

هبات لاعادة الترميم؟!

من جهته، أعرب عضو مجلس بلدية طرابلس عزت دبوسي وهو احد تجار الخان، عن تأييده لمواقف التجار خصوصا ان ما لحق الخان من تشويه لتاريخه لا يقبله طرابلسي واحد حريص على آثار مدينته، مؤكدا في حديث لـ"النشرة" ان هذا الترميم لم يحصل في عهد نادر غزال بل قبله، وقال ان البلدية الحالية بانتظار عروض الهبات لتعاود ترميم الخان من جديد وتعمل على اعادة روحه وعبقه الاثري التاريخي.

وشرح دبوسي معاناة التجار من حالة الفلتان الامني التي اصابت طرابلس وتركت انعكاسا سلبيا على حركة التجارة، فخسر الخان وغيره رواده خصوصا ابناء الطائفة المسيحية، وقال: "ان خسارتهم كبيرة فالسوق كان يعج بالحياة وكان المواطنون يتجولون بين ازقته ويشترون حاجاتهم منه، ولكنّ الخان بات ينتظر موسم الاصطياف ووصول المغتربين الى لبنان علهم يحركون الركود فيه".

يحمّل التجار مسؤولية تردي اوضاع اسواق طرابلس الاثرية الى كل صاحب مسؤولية في مؤسسات الدولة، من وزارة السياحة الى نواب ووزراء طرابلس وكل من ساهم في تردي الوضع الاقتصادي من مخلين بالامن ومسلحين، فكل هذه العوامل افقدت الاسواق رونقها وروادها الذين رحلوا بحثا عن اسواق اخرى.