سيواجه العماد ميشال عون معضلات في انتفاضته الشعبية المقبلة. سيكون للشعارات التي يرفعها لقيادة احتجاج شعبي هدفه حقوق المسيحيين المهدورة انعكاس سلبي. وسيظهر كأنه يسعى الى انتزاع مكاسب على حساب بقية اللبنانيين. مع الأسف، خصومه من المسلمين ستناسبهم هذه الحملة، لإفقادها الطابع الوطني من جهة، وللتحريض على تعبئة مضادة باعتبار أنها تستهدف صلاحيات المسلمين وحقوقهم.

كل ذلك سيتم في ظل استعداد قوى مسيحية، بعضها على شكل أحزاب وقوى أو على شكل شخصيات وهيئات، لممارسة الحياد السلبي. حتى إذا خسر عون، تظن نفسها معفاة من الأثمان. وفي حال ربح، ستقفز لجني حصتها من العائدات، باعتبارها جزءاً من التمثيل المسيحي.

إقليمياً، سيكون من الصعب توقّع استنفار جدي وفعال من جانب المسيحيين في البلاد العربية لنصرة مسيحيي لبنان. ليس لنقص في الرغبة، بل لنقص واضح في القدرة. ذلك أن لهؤلاء مشكلاتهم الكبيرة العالقة، كذلك فإن خلاص من بقي منهم يكون في نظام علماني مدني، لا يميّز بين المواطنين، وعندها ينالون حصتهم كمواطنين لا كأقلية مسيحية. هذا في حال طارت «داعش» و»النصرة» و»السلفية الجهادية» التي تريد أن تحكم العالم العربي وفق الشريعة الاسلامية. إضافة الى كون المسيحيين العرب يتصرفون اليوم بشيء من الاحتجاج إزاء مسيحيي لبنان، فإنهم يتذمرون من كونهم لم يجدوا النصير القادر على الحد من الانهيارات. ومن هاجر من مسيحيي سوريا والعراق الى لبنان، لا يشعر بأنه مرحّب به بصورة جدية. يتصرف هؤلاء على أن لبنان معبر نحو هجرة أبعد تقود الى أوروبا أو أميركا.

دولياً، لم يبق من الاهتمام الدولي بالمسيحيين عندنا سوى تلك الجماعات التي تشجّع من بقي منهم في العالم العربي على الهجرة الى العالم المسيحي. كذلك فإن العواصم الكبرى لم تعد تهتم لوجود قوة مسيحية لبنانية لها فعاليتها في المنطقة. أوروبا العجوز، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا، أقرب الى المسلمين، والسنّة منهم على وجه الخصوص. أما أميركا، فكل التاريخ القريب يقود الى خلاصة واحدة: المسيحيون العرب هم في النهاية من العرب، وليس لهم ما يميّزهم عن غيرهم، فضلاً عن أن إسرائيل، التي تمثل قاعدة أميركا والغرب في بلادنا، تواصل استراتيجية طرد المسيحيين من فلسطين، وتشجع وتساعد المجموعات المتطرفة في سوريا والعراق على إطاحة ما تبقى من وجود مسيحي في هذين البلدين.

يبقى الفاتيكان، حيث يفترض بمن بيده الامر هناك أن يظهر حرصاً أكبر. لكن الفاتيكان يمارس سياسة الانطواء، ويستمر مستقيلاً من دوره المباشر، السياسي والاقتصادي والثقافي، كما شاهدناه ونشاهده في فلسطين والعراق وسوريا. ومن الصعب علينا توقع انقلاب جذري في موقفه تجاه مسيحيي لبنان، علماً بأنه يدرك أن مؤسسة الكنيسة في مشرقنا العربي بحاجة الى ثورة على كل الصعد. ولم يحصل من ذلك شيء، وإن الكتل النافذة اقتصادياً من المسيحيين، لم تلعب الى اليوم الدور المفترض لتعزيز بقاء المسيحيين في البلاد العربية. ثم أليس من المفارقة أن غالبية القوى المسيحيية في لبنان والمنطقة تتلقى الدعم الأكبر، إما من السعودية أو من إيران؟

كل ما سبق ليس هدفه التشكيك في الحركة الاحتجاجية للعماد عون. من يعرف الرجل وتاريخه، يثق بأنه، وإن رفع شعاراً مسيحياً، لا يرى نفسه منزوياً في كانتون كان هو أول من حاربه عندما قاد الجيش قبل ثلاثين سنة. كذلك فإن الأمر ليس مرتبطاً بحجم التفاعل الشعبي مع دعواته الى الاحتجاج الميداني، بل يرتبط الامر في كون الشريك المسلم، الذي يفترض به تثبيت حقوق الشريك المسيحي، ليس في وارد التنازل. وهنا تبرز العقبة الكبيرة أمام تحقيق النتائج المرجوة.

أما ما يفيد فعلياً، فهو مسارعة العماد عون الى إعادة الاعتبار الى وطنية هذا التحرك، والى خلق الآليات والشعارات التي تجعل الدفاع عن حقوق مهدورة للمسيحيين، في نهاية الامر، دفاعاً عن التركيبة التي تحمي لبنان من شرور الحروب الاهلية الإضافية. وهو عمل يتطلب، أولاً وقبل كل شيء، التوقف عن عملية التعبئة على أساس طائفي أو مذهبي، كما يتطلب البحث عن شركاء من أصحاب المصلحة الفعلية في تحقيق تغييرات كبيرة على مستوى نظام الحكم في لبنان. وهؤلاء يمكن العثور عليهم في كثير من الطوائف والمناطق، لكن يمكن جذبهم الى هذا التحرك، فقط إذا ذهب في اتجاهات وطنية.

الامر الآخر يبقى متصلاً بالموقف والدور المرتقبين من حليف العماد عون الأبرز، أي حزب الله، الذي لا يعطي أي إشارة الى موقفه من الجاري، وإن كان الحزب لا يزال يؤمن بوجود فرصة لتحقيق إصلاحات من خلال آليات جديدة لتمثيل المسيحيين في الحكم، ما يؤمن تسوية تحول دون انفجار أهلي جديد، أو تمنع دخول المسيحيين من جديد في فخ الإحباط.

والى أن يظهر حزب الله استعداداً لمشاركة العماد عون في بعض المعارك بقوة حقيقية، فإن السؤال سيظل هو هو: من يقدر على قلب الطاولة، ومن يقدر على إعادة وضعها في المكان الصحيح؟