شكلت دعوة رئيس الحكومة الوزراء الى جلسة يوم الخميس المقبل، رفعا لسقف المواجهة مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، لا سيما ان دعوة سلام وخلافا للسابق جاءت بعد يوم من الجلسة الحكومية التي شهدت خلافا مع وزراء العماد عون واقل من اربع عشرين ساعة على اعلانه موقفا تصاعديا.

وبذلك فإن سلام اراد المضي في مواجهة عون من خلال الاسراع في الدعوة، دون ان ينتظر حتى بداية الاسبوع الحالي، على ما كان يحصل حاليا، بحيث شكلت الدعوة هذه احراجا لعدد من الوزراء المسيحيين في قوى 14 آذار، بعد ان بدأ الرفض من جانب وزراء عون من زاوية الحرص على دور رئاسة الجمهورية المناطة وكالة بالحكومة في حال شغور موقع رئيس البلاد.

وفي حين تدرج اوساط رئيس الحكومة ما اقدم عليه في خانة حقه الدستوري دون ان تحمل خطوته تحديا لعون الذي يريد ان يختزل عمل الحكومة وفق حساباته، ولذلك ان ما شهدته الجلسة وما استتبعه من دعوة لاجتماع حكومي، يمكن الاعتراض عليه من جانب عون وفق السبيل التي نص عليها الدستور، لكون البلاد امام عدة استحقاقات مالية تملي على مجلس النواب البت فيها وسبق ان عرضها وزير المالية علي حسن خليل بأسهاب في محطات عدة، ولذلك اذا كان عون يعتبر - حسب الاوساط - ان ثمة خللا حصل، فهو ليس المرجع النهائى للبت في الاشكاليات وفق ما يريده هو، وباستطاعته ان يتخذ من خلال وزراء تكتله وحليفه «حزب الله» القرارات المناسبة تحت سقف العمل الحكومي وتسيير مسار البلاد.

ولكن العماد عون على ما بات واضحا اتخذ قرار المواجهة من منطلق انه ليس بزعيم مسيحي «مكتوم» الشعبية ولا هو في الوقت ذاته يفتح ناره في كل الاتجاهات، لا بل بات يزن خطواته، لاعتباره ان قطار الرئاسة لم يتجاوزه بعد، ولذلك لم يقطع شعرة معاويه مع رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، عندما «حيده» من الاتهامات التي اطلقها منذ عدة ايام، ولا هو يريد ان يعود بالعلاقة مع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الى ما تحت الصفر الذي حدده رئيس القوات في ترسيمه للتقدم بين الجانبين ولذلك ايضاً، ذكر بأن القوات ربما كانوا على حق بمقاربتهم للفدرالية، دون ان يرفض تسليمه بنتيجة الاستطلاعات حتى لو كانت لصالح شريكه في ورقة «النوايا» ومنافسه الرئاسي جعجع.

لذلك يصوب عون معركته حاليا في اتجاه حماية دور رئيس الجمهورية وصلاحياته المتواضعة، بحيث لا يعود بامكان «احد وزراء البلاط» من المسيحيين ان يعتبر بأن مسار الحكومة هو نتيجة تفاهم بين رئيسي المجلس النيابي نبيه وبين سلام مغيبا بذلك «الدور الرئاسي»، وهو ما رفضه الوزراء المسيحيون الذين رفضوا التصويت بعد خرق آلية التفاهم ذات الصلة بالحق المناط وكالة الحكومة في حال الشغور.

ولكن هل تأتي دعوة عون انصاره للتظاهر او الاعتصام في الوقت المناسب بحيث تزيد هذه الخطوة من تفاقم التحديات الامنية وتنعكس ازعاجا على المواطنين وكذلك الوضع الاقتصادي المتردي؟

حتى حينه اتخذ العماد عون القرار لكن مكان التحركات التي يجب الا تزعج المواطنين لا تزال تخضع للدراسة تقول اوساط محيطة به، لأن الهدف منها ليس ترتيب اي ضرر او نتائج سلبية على المواطنين، فالخطوة هذه التي هي ابعد من ربطها بعدم تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش، لا تزال محور نقاش لكونها ذات بُعد مسيحي، وهدف معبر بعد الذي يحصل مع هذا الفريق على اكثر من صعيد.

وحيال مدى التحرك ومدى بقائه تحت سقف القانون دون احداث اي شغب امني، وكذلك استحصال الترخيصات من قبل وزارة الداخلية؟

تجيب الاوساط بأن التظاهر حق من ضمن اساليب التعبير عن الرأي وليس المطلوب اكثر من تبليغ الهيئات والمراجع المعنية، وبامكان وزارة الداخلية ان تعتبر بياناتنا بمثابة علم وخبر، وذلك من خلال ما صدر وسيصدر عن القطاعات والمرجعيات، لكن قرار التظاهر لا يهدف لاي شكل من اشكال الخلل الأمني، بل هو تحرك للتعبير عن آراء لا تسمع داخل الحكومة لكون القرار اتخذ بتجاوزها؟ اذ ان عنوان التحرك يتابع المحيطون هو التعبير من قبل المكون المسيحي عما يحصل معه من تجاوز لما يمثل شعبياً داخل الحكومة، وان تحريك تيار المستقبل لماكينته ضد هذا التحرك يكشف مدى قلق هذا الفريق من تحرك التيار الوطني الحر الذي سيكون مفاجأة لكل من يخفف من حجم ما سيقدم عليه انصار عون لدى تلبيتهم لندائه.

وينقل المحيطون عن عون قوله، بأن ادراج معارضيه لخطوته هذه في خانة آخر المعارك التي يقودها هو تقييم في غير مكانه، اذ يصر عون، كما يقول المحيطون، ان ما يقدم عليه هي آخر محاولة لاخراج المسيحيين من التهميش الذين هم عليه، بعدما تبين بوضوح ان الشراكة في البلاد غير محترمة، ولذلك بعدما تبين ايضاً ان لا نية لتصحيح الخلل في اي عنوان، حتى ان الكنيسة التي تطالب بتصحيح غير مضمون للواقع الديموقراطي من خلال دعمها لقانون استعادة الجنسية لا يحترم رأيها.

عليه، يكمل المحيطون، طابع المواجهة التي يخوضها عون باتت معركة وجودية، واذا ما خسر هذه المرة هذا التحدي، فلن يتحقق من بعده وستتسارع خطوة تهميش المسيحيين ليتحولوا واجهة للنظام الحالي وليس اكثر، وهو الأمر الذي لا يقبل به جعجع وعبر عن رفضه له بالامس رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل بدعوته الفرقاء الى مؤتمر عام، بما يعني بأن الخلل بات قناعة راسخة بعدم توفر رغبة او قرار بمعالجته.

ولذلك فان الذين يتساءلون عن موقف «حزب الله» في هذه المواجهة يوضح المحيطون بعون، ان في هذه المعركة لا حاجة لحزب الله ولا حتى العماد عون يبحث عنه، بل في هذه المواجهة الوجوية نفتش على بعضنا نحن المسيحيين، لكي لا يتم القضاء علينا بالمفرق.

وحيال ما يقول المراقبون، بأن «حزب الله» يفضل ان يخرج عون منهكاً من مواجهة هذه، ليقبل لاحقاً بتسوية رئاسية في حال حملت طيات التفاهم الدولي ـ الايراني بنوداً لها صلة بأنها، الفراغ الرئاسي، يرد المحيطون، بأن عون مستمر في ترشحه لكون هذا قرار له صلة باحترام تصويت ناخبيه له، واستمراره في المعركة الرئاسية يرسخ السقف العالي لمواصفات الرئيس، لكن في الوقت عينه، لا يريد عون ان يخوض معه او عنه «حزب الله» هذه المواجهة، لكونها ذات صلة بدوره كمسؤول مسيحي وفق الحجم الذي يمثله شعبياً وسياسياً.

وفي رأي قيادي في المجلس الوطني لقوى 14 آذار، بأن ما يعلنه عون يتناقض تماماً مع الكلام عن حقوق المسيحيين فالمطلوب من قبل جميع المسؤولين الكلام عن حقوق المواطنين، من خلال ابعاد الفتنة عنهم، ووقف الهدر المالي وايضاً الفساد، انما للطوائف ضمانات ذات طابع اخلاقي، معنوي، ثقافي، فقد نص اتفاق الطائف على الضمانات من خلال مجلس الشيوخ ذات الطابع الطائفي.

واضاف القيادي، بأن المطالبة بحقوق المسيحيين من شأنه ان يستجلب مطالب مقابلة من المسلمين.

واذ قلل القيادي من قدرة عون على الحشد هذه المرة، على غرار ما حصل في 23 كانون من العام 2007، اذ حينها كان تعاطفاً وتأمراً من قبل قيادة الجيش اللبناني والاجهزة الامنية مع تحركه، في حين ان الجيش اللبناني الذي يحمي الحدود وينفذ القرار 1701، ليس في وارد تسهيل الفوضى ولا ان قائد الجيش العماد جان قهوجي يسمح ان يجعل من الداخل ساحات للفوضى ويفلت الوضع من يد الجيش اللبناني، ولذلك سيكون تحركاً متواضعاً، وتخوف القيادي من ان يعمد عون للاستعانة «بحزب الله» للتحرك الشعبي او لاعتماد مناطق مختلطة للتظاهر والاعتصام فيها بما من شأنه ان يخلق ردات فعل واشكالات في هذه المناطق فيحقق بذلك ارباك الحكومة في هذه المرحلة.