منذ أن دخل حزب الله المعارك في سورية والتقارير الاستخبارية الغربية والصحف الناطقة باسم الخصوم الإقليميين تفترض سيناريوات عن جدوى دخوله تلك الحرب وتأثيرات ذلك عليه، كجسم عسكري صنّف كأكثر التنظيمات إثارة للجدل، وحاز الاهتمام الأكبر عند وزارات الدفاع ومراكز البحوث، فحزب الله واجه «إسرائيل» بنجاح مبهر.

نجاح حزب الله في وجه «إسرائيل» رتب على الدول الكبرى مراقبة تصاعده ونمو قاعدته الشعبية وتوافد مناصريه للانضمام إلى القتال في صفوفه، إضافة إلى اهتماماته السياسية وتحالفاته خارج الحدود اللبنانية، وكان واضحاً ارتباطه الوثيق بسورية، باعتبارها شريان حياة بالنسبة إليه لناحية إمداده بالسلاح، وإيصاله إلى لبنان عبرها، فكانت بنظامها الحالي أهمّ حلفائه الاستراتيجيين بالتوازي مع إيران الداعم الأساس.

دخل حزب الله الحرب السورية والسيناريو الأول الذي عملت الجهات المعنية بالتأثير عليه يعتمد على دراسة وضع حزب الله العسكري، وما ستؤول إليه الأمور بعد انغماسه في الحرب، مفترضة أنّ الأزمة السورية هي وحل لا يمكن لحزب الله إلا أن يغرق فيه مهما حاول التنقل من بؤرة إرهاب إلى أخرى، فكان الرهان على أهمية دخوله الحرب في سورية كخطة غير مباشرة لإضعافه وخدمة «إسرائيل» بالمباشر أو بالوكالة، حيث لم تستطع الأرض اللبنانية تحقيق المراد.

وينطلق بعض المراقبين من فرضية أن يكون حزب الله قد دخل الحرب السورية بناء على فخ رسم له لم يكن محضّراً فقط لسورية كتحصيل حاصل عن توقع مسبق لمبادرة الحزب إلى القتال بجانب حليفته فنجح الاختبار ودخل حزب الله.

السيناريو الثاني الذي رسمته الجهات نفسها وتداولته مراكز الأبحاث العسكرية تؤكد أهمية الالتفات إلى مسالة أساسية ربما لم يكن تقبّلها خلال السنوات الأولى للقتال ممكناً، إنما أصبح اليوم أقرب إلى الواقع مفادها: «ماذا لو بقي الأسد وانتصر حزب الله ولم يغرق»؟

وعليه، فإنّ البناء على هذا السيناريو لم يكن منطقياً بداية الأزمة بعدما تبين للعالم أنّ بقاء الرئيس السوري بشار الأسد مستحيل، وبعدما حشد للأزمة مال طائل وسلاح وإرهابيين عقائديين طامحين للاحتلال وفرض دولتهم التكفيرية بحيث لا يمكن للمعتقدات أن تتقابل إلا والخسائر فادحة، وبالتالي فإنّ حزب الله سيكون أمام أشرس أنواع الأعداء الذين يكنون له أصلاً العداء الطائفي والمذهبي قبل أي شيء.

اليوم، يتقدم حزب الله في طليعة المعارك الكبرى ويدخل مع قوات الجيش السوري مدينة الزبداني أولى المدن المحتلة منذ عام 2012 مستعيدين السيطرة على أبرز أحياء جنوبي المدينة في قرار مفاجئ ويبدو أنّ الحزب والجيش السوري يستخدمان التكتيك وعنصر المفاجأة للمباغتة والنجاح بدقة.

حلب أيضاً التي اجتاحها الجمود وبعض التروي لفترة، تشهد معارك ضارية بين الجيش والإرهابيين.

مسألة إغراق حزب الله في المستنقع السوري يُفترض أن ترتب تداعيات وانهيارات بنيوية وعسكرية ومالية ضخمة تأخذ الحزب تدريجياً نحو الانهيار، بالإضافة إلى السخط الشعبي على الحزب جراء التغرير بالشباب للقتال خارج الأرض اللبنانية وهذا ما لوحظ من تعليقات صحفية وإعلامية عديدة، كنوع من التحريض، إضافة إلى تحريض داخلي لبناني من خصوم حزب الله أيضاً، كلها لم تفلح في شيء.

بطريقة غير مباشرة، يمكن لنتنياهو أن يكون قد أجاب على مسألة الإغراق هذه التي كانت أبرز أهدافه بتنديده بالاتفاق النووي والتصويب المستمر عليه، معتبراً ما يجري في العاصمة النمساوية، فشلاً وليس تقدماً، وأن الصفقة مع طهران أسوأ من تلك التي أبرمت مع كوريا الشمالية، وأدت في نهاية المطاف إلى ترسانة نووية.

ولفت نتنياهو أيضاً إلى ازدياد التنازلات التي تقوم بها الدول الكبرى لإيران، قائلاً: «إنّ مئات المليارات من الدولارات ستتدفق إلى إيران في أعقاب الصفقة، التي ستستخدمها في «مسارها الإرهابي» حول العالم، حسب تعبيره.

باختصار، أكد نتنياهو التالي: «بدل غرق حزب الله في المستنقع السوري إنه على موعد مع مال جديد يوضع في تصرفه من ضمن أجندة إيران المستخدمة في المسار الإرهابي وأكد أيضاً أنّ الاتفاق مع طهران هو تكريس أكبر لحصولها على ترسانة سلاح متطور كما حصل مع كوريا الشمالية، وربما يكون سلاحاً نووياً، بالنسبة إليه.

يدرك خصوم حزب الله في الداخل والذين يراهنون على غرقه في المستنقع السوري، أبعاد الاتفاق النووي على الحزب مادياً وعسكرياً ونفسياً ويقرّون اليوم على بعد أيام من الاتفاق أن لا غرق ولا إغراق لحزب الله بعد اليوم وأنّ الأيام المقبلة، بعكس الحسابات، ليست سوى تنصيب الحزب تنظيماً منتصراً خارجاً من معارك تمكنه من استثماره نصره سياسياً، وحزباً مكتفياً ذاتياً ومتماسكاً معنوياً وشعبياً.