- قال لي أحد قادة الوحدات العسكرية المشاركة في معارك الزبداني أنّ ما سيراه العالم في هذه المعركة، هو النموذج الذي سيراه من الآن وصاعداً في جبهات الحرب التي يخوضها الجيش السوري، ومعه المقاومة التي تتمثل بمجاهدي حزب الله ومقاتلي الحزب السوري القومي الاجتماعي ومعهم قوات الدفاع الوطني ولجان شعبية محلية يشكلها الأهالي ويحتضنها الجيش في كلّ مكان، نمط القتال مختلف وتجهيز الوحدات المقاتلة متكامل ونوعي والنيران غزارة وتنسيق وتسديد وفاعلية وتناغم القوى محسوب ومدروس وموزع بدقة واتقان، وذلك ليس لأنّ هناك توافراً لجديد لم يكن متوافراً، علماً أنّ هناك الكثير من الأسلحة والذخائر الجديدة لزوم هذه المرحلة الجديدة ومفاجآتها، التي خُبّئ بعضها لهذه المرحلة واستقدم بعضها الآخر لهذه المرحلة أيضاً، كما خبّئت بعض الوحدات وأعدّت وحدات أخرى لهذه المرحلة، الفارق هو التوقيت، لقد انتهت حرب الاستنزاف التي كانت سورية تتحمّل تبعاتها وتداعياتها بالكرّ والفرّ، وتتفادى بعض مواجهاتها لمنع استدراج قواتها إلى مواجهات في غير توقيتها، والآن بدأت حرب تحرير التراب السوري من الإرهابيين في كلّ اتجاه.

- معركة الزبداني هي الجزء الثاني من حرب القلمون، وحرب القلمون هي حرب تنظيف الحدود اللبنانية – السورية من رقم يقارب الخمسة عشر ألفاً من مسلحي «جبهة النصرة»، الذين يشكلون نخبة مقاتليها المزوّدين بأحدث أنواع السلاح والذين يحمون خطوط الإمداد نحو كلّ مناطق ريف دمشق وصولاً إلى حمص وحماة، والمرصودين في حساب قيادة تنظيم «القاعدة» لمهمتين استراتيجيتين، الأولى هي الربط بين القنيطرة وريف حمص وصولاً إلى البحر المتوسط في منطقة العريضة اللبنانية والسورية، وامتداداً إلى الحدود السورية – الأردنية لتأمين حزام أمني لـ«إسرائيل» يشكل دويلة «جبهة النصرة» تحت الراية «الإسرائيلية»، وتكون الزبداني هي العاصمة، مقابلة مشروع مشابه شمالاً لإمارة عاصمتها إدلب، عدا دويلة «داعش». أما المهمة الثانية فهي ضرب ميزان الردع الذي أنشأته المقاومة في وجه «إسرائيل» عبر فصل سورية عن لبنان على طول الخط الحدودي الشرقي والشمالي وحرمان المقاومة من عمقها وخط إمدادها السوري وصولاً إلى استنزاف هذه المقاومة والتمدّد داخل الجغرافيا اللبنانية خصوصاً عبر قفزة في البقاع الشمالي تتيح بلوغ الضنية فالساحل، حيث كان الأساس في مشروع «القاعدة» منذ عام 2000 بربط أفغانستان بالمتوسط عبر خط يمتدّ في مناطق الأكراد عبر إيران والعراق وصولاً إلى الأنبار فتدمر فالقلمون فالمتوسط.

- بِانتهاء حرب القلمون بانتصار الجيش السوري والمقاومة وكنس المجموعات المسلحة عن كلّ خط الحدود وقطع فرص تمدّدها جنوباً نحو سفوح جبل الشيخ وصولاً إلى القنيطرة، سينشأ خط تدحرج عسكري لحلف الجيش والمقاومة يمتدّ من شمال حمص إلى جنوب القنيطرة والزحف به شرقاً حتى تدمر ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن، ما يعني خلال أشهر قليلة وقاسية، تنظيف كلّ أحياء ريف دمشق وصحرائها وهضابها، وتحرير قوة تقدّر بخمسين ألف جندي مع كامل عتادهم وطاقتهم النارية من الانتشار للتعامل مع أكثر من مئة جيب عسكري، تتفاوت أحجامها من عيار بلدة مثل داريا ومدينة مثل دوما وصحراء مثل تدمر، سيذهب جزء من هذه القوة لتعزيز خطوط التوزع شمالاً وشرقاً، وليبدأ بعدها مسار التلاقي بينها وبين ثلاثة خطوط تقدّم، واحد للجيش العراقي والحشد الشعبي نحو الحدود السورية، وثانٍ لقوات الجيش من داخل دير الزور والحسكة باتجاه حمص، وثالث لوحدات الجيش المنتشرة في حلب وريفها وإدلب وريفها واللاذقية وريفها لتحرير أحياء حلب وإدلب وجسر الشغور، لتتقاطع مع نهاية الصيف وربما منتصف الخريف خطوط نار القوات والمقاومة والدفاع الشعبي عند تصفية الجيوب المتبقية في أنحاء الجغرافيا السورية.

- الانتقال من حرب الاستنزاف إلى حرب الحسم، ومن الصمود والدفاع إلى الهجوم هو انتقال سياسي رتبته التطورات التي رافقت الحرب على سورية، وفيها كان حساب سورية أن تستهلك قوى الحرب الوقود والوقت، فتبلغ التوقيت الذي لا تحتمل بعده انتظار نتائج اختبارات موهومة لدى بعض أطرافها المهووسة، ويكون الوقود البشري والسياسي للحرب قد استهلك، وهذا ما يحصل، فالزمن الافتراضي للحرب المرتبط أميركياً بتوقيع التفاهم مع إيران يقترب كثيراً، والزمن الافتراضي لبلوغ نقطة الخوف من تجذر التنظيمات الإرهابية التي استجلبت لإسقاط سورية، وبدأت تتحوّل إلى شبكة منظمة لها مشروعها الخاص في البلاد العربية وأوروبا، قد تخطته الأحداث وصار في ذروة النضوج، وبنفاذ الوقت والوقود يبدأ الهجوم وتتغيّر وظيفة الحرب من الصمود إلى الحسم، وتسدّ منافذ الهرب أمام المسلحين ليصير الخيار المتاح لهم هو الموت أو الاستسلام، ولا تنتظر سورية التسويات، رغم انفتاحها على كلّ فرص التراجع أمام الذين تورّطوا في الحرب عليها، ورغم تمسكها بأوسع إمكانات الحوار مع أطراف المعارضة التي ترغب بحلّ ديمقراطي عنوانه صناديق الاقتراع تحت سقف مواصلة الحرب التي تجمع كلّ السوريين في وجه الإرهاب.

- الزبداني نقطة فصل ووصل بين جغرافيتين واستراتيجيتين ومرحلتين.