اكّد وزير الخارجية ​جبران باسيل​ أنّ "التيار الوطني الحر" ذاهب في خياراته إلى ما يبقيه في الدولة، مشيراً إلى أنّ "سوء التصرف وصل الى مستوى بتنا نشعر معه بأننا، كمسيحيين، غير مرغوب فينا إلا إذا كنا مطواعين كما في مرحلة التسعينيات حتى 2005، وإلا فإن البلد يمشي من دوننا. هذا هو مستوى المواجهة حالياً".

وحول خطوات المواجهة، اعتبر في حديث الى "الاخبار" ان "من يفكّر بالأمر من زاوية إغلاق طريق أو تظاهرة أو اعتصام يجهل الى أين نحن ذاهبون"، وقال: "هذا مسار ليس مهماً ما إذا كان سيبدأ قوياً أو ضعيفاً. المهم كيف يتطور، والأمر لن يقتصر على حركة واحدة أو ميدان واحد أو قطاع واحد". ولفت إلى أنّ "التيار" يعمل منذ عشر سنوات على مشاريع وقوانين تتعرض للعرقلة والإبطاء في مجلس الوزراء وغيره، وتابع: "اليوم سيرون شيئاً جديداً والأمور ستذهب في منحى آخر. لا نقول ذلك كتهديد أو بفوقية أو بسعادة. ولكن من المحزن أن نصل الى مستوى الدفاع عن وجودنا وكرامتنا. ما نحن في صدده ليس خياراً، بل أُجبرنا عليه لأن الأمر بات يتعلق بالوجود والكرامة".

ولفت باسيل الى ان موضوع إسقاط الحكومة، من الداخل أو الخارج، واحد من الخيارات، لكنه لا يكاد يشكل شيئاً يذكر أمام مروحة الخيارات الموجودة، مشدّداً على أنّ "الحراك الذي نحن في صدده ليس تقليدياً بمعنى أنه تظاهرة أو اعتصام أو ما شابه، فنحن في صدد الدخول في كل بنية الدولة ومؤسساتها وماليتها وكل ما تحويه لإعادة النظر فيه، عصيان على عصيان".

واكد باسيل ان الموضوع لم يعد موضوع قيادة جيش ورئاسة جمهورية، بل يتعلق بصلاحيات الرئيس وقانون المناصفة واستعادة الجنسية وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية، معتبراً أنّ "هذا اليوم أهم من أن يكون الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية". وقال: "يبدو واضحاً أكثر فأكثر أنهم لا يريدون انتخاب رئيس، وهذا يؤكد ما قدّره البطريرك بشارة الراعي في إحدى الفترات بأنه لو اتفق المسيحيون على رئيس لن يوافق الطرف الآخر". وأضاف: "في غياب الرئيس، يسعون إلى القضاء على ما تبقى من صلاحياته واختزال رئاستي الجمهورية والحكومة في شخص رئيس الوزراء ليكون الآمر الناهي. هذا أمر لا يمكن القبول به وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة إلينا. رئيس الحكومة هو رئيس حكومة، ونحن الوزراء وكلاء عن رئيس الجمهورية، وعليه احترام هذه المعادلة".

وإذ شدّد باسيل على أنه سيتصرف في مجلس الوزراء كأنّه رئيس جمهورية ولن يسمح لأحد بالانتقاص من صلاحيته، نفى أن يكون "التيار" قد وقّت شيئاً لتحركاته، وقال: "لسنا من اختار الإقدام على مخالفات قانونية ودستورية في موضوع قيادتي الجيش والأمن الداخلي، ولسنا من انقلب على الاتفاق بيننا وبين المستقبل على هذين الموضوعين، ولسنا من وقّت مخالفة مجلس الوزراء للآلية التي اتفقنا على العمل وفقها منذ أكثر من عام، ولسنا من قرّر مخالفة الدستور وسرقة صلاحيات رئيس الجمهورية".

ورأى باسيل أنّ "تيار المستقبل وليس نحن من يريد أخذ البلد الى تحديد قواعد جديدة للعبة، وإما أنه يفعل ذلك بقرار أو أن هناك من يأخذه الى ذلك من دون أن يدري". واوضح ان من أخذ المنطقة الى كل هذه التغييرات على أساس "ربيعي" وشجّعها وطبّل لها، قد يكون هو نفسه من يأخذ تيار المستقبل اليوم في هذا الاتجاه، مع التأكيد له أن قواعد اللعبة لا يمكن أن تتغير. وأعرب عن اعتقاده بأنّ أحداً ما "يدفشهم" ويدفعهم الى هذا الخطأ المميت، وهم يهدفون الى تغيير كل ما هو قائم في لبنان كما حدث في سوريا والعراق والخليج وغيرها.

واكد ان لا سقف سياسي لتحركهم، مشيراً إلى أنّ "هذا النظام ارتضينا أن نلعب ضمنه، فيما يرفضون تطبيقه"، وقال: "فليطبّقوا الطائف في مسائل كالقانون الانتخابي واللامركزية الإدارية والمناصفة وروح الشراكة، وفي صلاحيات رئيس الجمهورية. يدعوننا إلى نظام لا يريدون تطبيقه. يبدو كأنهم هم من يطمحون الى تغيير النظام. ربما هناك من أقنعهم بامكان تحصيل مكاسب أكبر".

وردا على مقولة رئيس مجلس النواب نبيه بري إن العماد ميشال عون ابن النظام ولن يفرّط به، قال: "الجنرال ابن الدولة وليس ابن النظام، والنظام الذي يفرّط بنا مستعدون لفرطه لأنهم لا يطبّقونه ولا يقبلوننا فيه".

ولفت الى ان دستور الطائف لم يترك لرئيس الجمهورية إلا حضور مجلس الوزراء وترؤسه. عندما يرأس رئيس الجمهورية الجلسة، يعني ذلك أن من حقه إسقاط بعض البنود وإرجاء أخرى وإحالة بنود إلى التصويت وطرح أخرى من خارج جدول الأعمال. صلاحية الرئيس في الدستور ليست فقط أن "يطّلع" على جدول الأعمال، وإلا ما الذي يميّزه عن أي مواطن يمكنه أن "يطّلع" على الجدول أيضاً. إذا كانت هذه هي الصلاحيات كما يرونها، فهذا يعني أن البلد مكفّي بلا رئيس ومن يعترض في الحكومة يمكنه الخروج منها.

واشار الى ان ما نص عليه الطائف معطوف على أمرين: على عرف استقرّ وعلى نص دستوري آخر كـ"يحضر فيرأس". اتفقنا على آلية العمل الحكومي لأن لنا صفتين: وزراء، وفي الوقت نفسه نمثّل رئيس الجمهورية في الحكومة. وإلا لماذا نحتاج الى الآلية؟ رئيس الحكومة، في الجلسات، ميّز دائماً بين نوعين من المواضيع نتعاطى مع أحدهما كوزراء ومع الآخر كممثلين لرئيس الجمهورية. ووفق هذه الآلية، اتفقنا على أن من حقنا الاعتراض على جدول الأعمال، فكيف تكون هذه الصلاحية لنا كممثلين للرئيس ولا تكون للرئيس نفسه؟ في اختصار، ما نفهمه من موقفهم اليوم أنهم لا يريدون انتخاب رئيس، ومن لا يعجبه يمكنه الخروج، ورئيس الحكومة هو رئيس الجمهورية.

اضاف لسنا يائسين ولا مسلّمين، وخياراتنا كثيرة جداً منها الفيدرالية. الفيدرالية، كما في سويسرا وأميركا والإمارات، ليست تقسيماً. على أي حال، إذا أرادوا حشرنا للاختيار بين دورنا ووجودنا وكرامتنا وبين الفيدرالية فسنكون معها بالطبع. عندما تضعني بين خيارين سأختار ما يبقيني حياً. أنا لست المسيحي غير اللبناني. أنا المسيحي اللبناني الذي أريد أن أبقى حياً بدوري الكامل وليس أن أبقى مجرد كائن حي آكل وأشرب وأنام. ما نطالب به لامركزية إدارية ومالية. الطائف تحدث عن المساواة في الحقوق والواجبات. بأي منطق يدفع المسيحيون 70 في المئة من رسوم الدولة وضرائبها، ولا تزيد حصتهم في المشاريع والإنماء على 30 في المئة؟ "شو هالشراكة؟ مش زابطة".

ولفت باسيل الى ان ميزة لبنان أن مسيحيي المنطقة كانوا يستمدون بقاءهم من مسيحيي لبنان. حصل سوء تقدير كبير لأهمية الحفاظ على المسيحيين في الشرق. والآن، هناك سوء تقدير لأهمية الدور المسيحي في لبنان. هذا يأخذ البلد الى انفجار أكبر طابعه ليس فقط سنياً ــــ شيعياً، بل أيضاً مسيحي ــــ إسلامي. هناك سوء تقدير كبير للضرر الذي سيلحق بالجميع.

واشار الى انه عندما شغر موقع الرئاسة، كان حزب الله مصرّاً على توقيع الوزراء الـ 24 على المراسيم في الحكومة. عندما يتخطوننا نحن والحزب في مجلس الوزراء، هل يكون مستهدفاً أم لا؟ لا أتحدث باسم حزب الله. لكنه اليوم يدافع عن كل لبنان في المعركة ضد الإرهاب ويقدم الدماء، وهو بالتالي لديه انشغالاته الأخرى. نأخذ ذلك في الاعتبار جيداً، ولكن فيما هو يدافع عن اللبنانيين جميعاً ضد قاطعي الرؤوس، هناك من يريد قطع رأسنا في السياسة.

وردا على سؤال ان كان هناك من تواصل مع آل الحريري، قال: "هم اختاروا السير في هذا الاتجاه، علماً بأنهم يعرفون تماماً مساهمتنا في استمرار الحكومة رغم مآخذنا الكثيرة، وهم أكثر من يدرك أن التطورات الأخيرة ليست من صنعنا ولا تخطيطنا. ولديهم المعطيات الكافية عن سبب سير الأمور في هذا الاتجاه، سواء كان ذلك برغبتهم أو لا، والمقصود كل من يريد أن يلغينا ويحتل مواقعنا ومراكزنا". اضاف نحن لم يعد لدينا ما نخسره، لذلك المتضرر الأول من كل ما يجري هم آل الحريري: التطرف في البلد يضرّ بهم، وكذلك المسّ بالنظام واللااستقرار وغياب الشراكة الكاملة مع المسيحيين الممثلين فعلياً، والأهم أن ما يحصل في المنطقة، سواء من الصراعات أو من تفاهمات سياسية مقبلة، سيضرّ بهم أيضاً. مصلحتهم الوحيدة في التفاهم معنا ومع غيرنا.