عاجلاً أم آجلاً، سيوقَّع الاتفاق النووي النهائي بين إيران والدوَل الغربية، ولكن ما بعد هذا الاتفاق سيكون أهمّ ممّا قبله، إذ يَسود الاعتقاد على نطاق واسع ​لبنان​ياً وإقليمياً ودولياً أنّ المنطقة برُمَّتها ستَدخل بعدَه في مرحلةٍ جديدة يُفترَض أن تكون إيجابية.

تختلف التفسيرات والتوَقّعات حول ما سيكون عليه واقع المنطقة بعد الاتفاق الإيراني ـ الغربي، وكلّ فريق يراهن على أن يأتي هذا الواقع في مصلحةِ خياراته ومشاريعه السياسية، ولكنّ مجملَ التوقّعات يتقاطع على أنّ الاتفاق سينعكس شيئاً فشيئاً إطفاءً للنيران المشتعلة في هذه الدولة أو تلك، انطلاقاً مِن أنّه سيُحَتّم على أطرافه تعاوناً على إيجاد حلول للأزمات الإقليمية، خصوصاً على مستوى المشرق العربي في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن.

لبنانياً يَسود الأوساط الرسمية والسياسية رهانٌ على أن يتيحَ الاتّفاق الإيراني ـ الغربي المجالَ للبَدء بحلّ الأزمة اللبنانية يَرتكز إلى الحِرص الإقليمي ـ الدولي القائم على استقرار لبنان ومنعِه من الانزلاق إلى الأتون المشتعل حوله، بحيث تتحرّك عجَلة الاتصالات داخلياً وخارجياً في اتّجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر انتخاب رئيس توافقي، وذلك كمدخلٍ ضروري للبَدء بحلّ الأزمة برُمَّتها.

وفي هذا السياق، لا يُخفي رئيس مجلس النواب نبيه برّي رهانَه على إيجابيات سيعكسُها الاتفاق النووي على لبنان والمنطقة، ويَعتقد أنّ أولى ثماره ينبغي أن تكون تطبيعاً للعلاقة السعودية ـ الإيرانية يتيح الشروعَ في حلٍّ للأزمة اليمنية ترضى جميعُ الأطراف المعنية به، اليمنية وغير اليمنية.

ويَعتبر برّي أنّ التوافق السعودي ـ الإيراني كان ولا يزال المطلوب، لأنّ مِن شأنه أن ينعكس إيجاباً على كلّ الأزمات الإقليمية، ويوَفّر المناخات المطلوبة لإنهاء الفتنة المذهبية التي تضرب المنطقة، وتكاد تشمل كلّ دوَل العالم الإسلامي.

ويرى بعض السياسيين أنّ الحلّ الذي ينبغي توفيره للأزمة اليمنية يجب أن يرضيَ المملكة العربية السعودية اللصيقة جغرافيّاً باليمن، وتَعتبر نفسَها معنيةً به مباشرةً في ضوء الحرب التي يشنّها التحالف بقيادتها على الحوثيين وقوّات الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

ويرى هؤلاء السياسيون أنّ الرضى السعودي ضروريّ توافرُه لفتحِ الباب أمام معالجة بقيّة الأزمات في العراق وسوريا ولبنان والبحرين، وهذا الرضى لا يحصل إلّا بالتقارب أو التوافق بين الرياض وطهران تحت مظلّة دوليّة محورُها الولايات المتحدة الأميركية التي يكاد يكون الاتفاق النووي بينها وبين الجمهورية الإسلامية الايرانية بالدرجة الأولى، قبل أن يكون اتفاقاً بين طهران والدول الغربية بالدرجة الثانية.

ويرى البعض أنّه ينبغي إعطاء السعودية في اليمن حلّاً يرضيها ويُطَمئنها إلى خاصرتها اليمنية، قبل أن يطلب منها أن تُعطي في العراق وسوريا والبحرين ولبنان، وربّما في أماكن أخرى، بما يساعد على تفريج الأزمات في هذه الدوَل، فالمطلوب في البحرين أن يُقرّ النظام بعدالة المطالب الإصلاحية الشعبية التي لم تصِل إلى حدود المطالبة بتغيير النظام، هذا لا يتمّ إلّا بمساعدة السعودية لِما لها من «دالّةٍ» على ملك البحرين الشيخ حمد بن حليفة.

والمطلوب في العراق إنهاء وجود «داعش» وأخواتها عبر تفعيل التحالف الدولي ـ الإقليمي الذي أُنشىء لمكافحتها وأخواتها، وإرساء الحلّ السياسي المتوازن بين كلّ المكوّنات والأطياف السياسية والطائفية والمذهبية العراقية، أي تنفيذ الاتفاق الذي أيَّدَته الرياض وأفضى إلى تشكيل حكومة حيدر العبادي على أنقاض الشكوى التي كان يعَبّر عنها بعض دوَل الخليج، وعلى رأسها السعودية، من حكومة نوري المالكي.

والمطلوب في سوريا أن تساعد الرياض في الجهود المبذولة لإيجاد الحلّ المتوازن الذي تعمل موسكو على الوصول إليه من خلال سعيِها للجَمعِ بين النظام والمعارضة، وهو حلّ يَرى بعض المراجع السياسية وجوبَ فرضِه في الخارج على النظام وقوى المعارضة السياسية المقيمة في الخارج والتي لا تملك شيئاً في الميدان، وذلك بمعزلٍ عن التنظيمات المتطرّفة من «داعش» و«النصرة» وغيرهما، والتي يستحيل أن تكون شريكة في هذا الحلّ، ويفترض أن يوسّع التحالف الإقليمي ـ الدولي نطاقَ عملياته أكثر في سوريا لإنهاءِ وجودِها كسبيلٍ لازمٍ لإنهاء الحرب، وإنتاج الحلّ السياسي المطلوب.