ما هو ثابت حتى الآن ان رئيس الحكومة تمام سلام وخلفه رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري وخلفهما المملكة العربية السعودية، ذاهبون جميعاً نحو المواجهة المباشرة مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد عون. من دون هذه المرة لا قفازات ولا احتفالات بذكرى المولد الشخصي ولا حوارات هدفها التسويف والمراوغة وتقطيع الوقت وتمرير مكاسب على "ظهر" العماد عون. ولولا الخداع والتسويف لما كان مر تشكيل الحكومة ولا تحققت سلة التعيينات التي كان للمستقبل الحصة الاكبر. بينما اكتشف العماد عون نفسه كالزوج المخدوع بعد عام من الحوارات والوعود الكلامية التي قطعها الحريري وكانت تذهب ادراج الرياح بين ليلة وضحاها.

في المقابل هناك ثابتة ايضاً ان العماد عون ماض في استعمال كل اسلحته التي يراها مشروعة في معركة استعادة الحقوق المسلوبة. وعلى رأس هذه الحقوق استعمال لعبة الشارع. أما كيف ومتى واين سيبدأ الحراك العوني؟ وهل سينزل حزب الله وباقي احزاب 8 آذار بكل مكوناته مع العونيين جنباً الى جنب الى الشارع؟

هذه الاسئلة كانت مدار بحث ومشاورات تجري على مدار الساعة بين العماد عون وحلفائه، وتؤكد المعلومات المرتكزة على هذه المشاورات ان كل حلفاء عون يؤكدون ثباتهم الى جانبه في معركته وانهم لن يفوتوا سبيلاً ولا طريقاً لتحقيقها. فجميع مكونات 8 آذار وعلى رأسهم حزب الله يكنون كل التقدير والاحترام والامتنان والوفاء لوفائه وثباته في وجه كل المغريات التي قدمت له. من رئاسة الجمهورية الى قيادة الجيش وكلها عروض اتت الى الرابية على صوان من ذهب من اعلى السلطات الاميركية الى القائمين على عرش آل سعود. لم يتخل عن المقاومة ولا عن تفاهم مار مخايل ولم يترك المقاومة وجمهورها وحيدين في عدوان تموز ولم يكشف ظهرها وأطمأن الى نصرها المحتوم. ولهذه القضايا الاستراتيجية كلها لا يمكن لحزب الله اليوم وحتى للرئيس نبيه بري ان يديرا ظهريهما للعماد عون ويدعاه في منتصف الطريق.

التحالف بالاستراتيجيا راسخ ولا يمكن فكاكه بين محور المقاومة والرابية لكن التباينات في التكتيك والممارسة، فكيف سيحقق عون اهدافه وهل يمكن الوصول اليها في هذا التوقيت وبهذه الاساليب وبالشعارات الطائفية والمذهبية؟

في العلاقة مع الرئيس بري لم يوفر العماد عون فرصة وإلا و"حشره" في الزاوية من معركة جزين وتطيير سمير عازار مرشح بري مقابل المقاعد الاربعة له في حين حاول حزب الله إبقاء الهامش مقبولاً بين الطرفين. واكمل عون "شراء عداوة" الرئيس بري مجاناً ومن دون اي سبب على حد وصف احد مراجع 8 آذار. فإذا كان خصم عون هذه المرة تمام سلام وسعد الحريري والسعودية فلماذا لا يكتفي بالتصويب عليهم مباشرة من دون ان تصيب بري "طرطوشة" منها؟

الشعارات التي يرفعها عون تبدو للمرجع المذكور قنبلة موقوتة واشبه بالموسى التي لا يمكن المس بها او بلعها خوفاً من الجروح التي قد تسببها. فورقة النيات مع الدكتور سمير جعجع واعلانها بعد لقاء الاخير بعون في الرابية وتكريسه الرقم الثاني مسيحياً بعد عون، جعل من الوزير سليمان فرنجية الحليف المسيحي الثاني والقوي لـ8 آذار "خارج الخدمة"، فهل يمكن هضم إعطاء مكاسب مجانية لجعجع؟ وهل من المنطقي تكريس زعامة مسيحية لجعجع عبر الاعتراف به وإجراء استطلاع رأي لتكريسه بالارقام ثانياً عند المسيحيين بعد عون؟

وهل المطالبة بحقوق المسيحيين تكون برفع الشعارات التي تستفز كل اللبنانيين وخصوصاً الاحزاب العلمانية والقومية التي تشكل ركيزة لا يستهان بها في 8 آذار؟ فماذا سيقول هؤلاء لجماهيريهم وشارعهم وهل يمكنهم السير بطروحات معاكسة لكل ما قاموا به وحاربوه منذ العام 1975 حتى اليوم؟

فشعارات الانعزال اللبناني واليمين المسيحي والفيدرالية كلها شعارات لم تعد صالحة لا لهذا المكان ولا لهذا الزمان.

وتفيد المعلومات ان العماد عون ابلغ حزب الله و8 آذار انه ماض في خياراته، حتى رفع التهميش والغبن واستعادة الحقوق، وان المعركة لم تعد معركة حكومة او تعيينات او قرار في الحكومة. بل هي مسألة وجود وكيان وعدم القبول بتجاوز ما نمثل ومن نمثل والقفز فوق حقوقنا المشروعة وكأننا غير موجودين. وفي حين لم يحدد عون لحلفائه سقفاً زمنياً او خطة واضحة للتحرك في الشارع، لم يطلب منهم الانضمام الى محازبيه. كما انهم حتى الساعة لن يكونوا جزءا من اي تظاهرة ينظمها العونيون في الشارع.

وتشير المعلومات ان هناك سقفاً مرسوماً بين عون وحلفائه وخلاصته: لا إستقالة من الحكومة ولا تطيير للحكومة ولا هز للاستقرار في الشارع، بالتوازي مع عدم القبول بتمرير اي قرار او اي اجراء يتجاوز عون وإرادته ويهدف الى تهميشه وكسره وعزله ومن اي جهة اتى من المستقبل او من سلام او من الحريري او من السعودية.