في خطابه الأخير، رفع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون سقف المواجهة مع "تيار المستقبل" إلى المستويات العُليا، واضعًا التيار "المعتدل" في دفّةٍ واحدةٍ مع "المتطرفين"، بقوله أنّ من لم يستطيعوا القضاء على مسيحيي الشرق بالسيف يريدون القضاء عليهم بالسياسة.

تأنّى "المستقبليّون" في الردّ، وبدوا كمن ينتظر "دعم الحلفاء" الذي لم يأتِ. لا حزب "الكتائب" أوحى بأنّه معنيّ بالأمر من قريب أو من بعيد، وهو الذي "يستفزّ" التيار "الأزرق" بدعوته لما يسمّيه "تطوير النظام"، ولا حزب "القوات" دخل على الخط، وهو الذي لا يزال يعيش "شهر عسلٍ" غير مسبوق مع "الجنرال"، رغمًا عن أنف الجميع.

أملٌ خائبٌ بالحلفاء..

هي ربما المرّة الأولى التي لا يجد فيها "تيار المستقبل" حلفاءه المسيحيين إلى جانبه في مواجهة مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، لا سيما حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، بعد أن كان الحزبان المذكوران هما "رأس الحربة" في أيّ معركة من هذا النوع، بل كان الاعتماد عليهما بشكل أساسي من أجل منع "الجنرال" من الذهاب بعيداً في طروحاته بل "قصّ أجنحته" بشكلٍ أو بآخر.

وإذا لم يكن الموقف الكتائبي الأول من نوعه، كما تقول مصادر سياسية مطلعة، موضحة أنّ بكفيا وجدت نفسها في العديد من المناسبات سابقاً بعيدة عن "المستقبل"، خصوصاً أنها كانت تتلمس دائماً تفضيل بيت الوسط معراب عليها، وهي عبّرت عن الكثير من الإعتراضات في هذا السياق في السابق، فإنّ الموقف القواتي يبدو لافتاً في هذه المرحلة، وإن أعاده البعض إلى الإختلاف الذي ظهر منذ تشكيل حكومة تمام سلام.

على الرغم من ذلك، لا يبدو هذا الموقف مفاجئاً برأي المصادر، ليس لأنّ مسيحيي "14 آذار" لم يحصلوا على أيّ مقابلٍ لـ"تضحياتهم الكثيرة" من التيار "الأزرق"، ولعلّ أبرزها التضحية بقانون "اللقاء الأرثوذكسي" كرمى لعيون الأخير، بعكس عون الذي يرون أنه يحظى بـ"دلالٍ غير مسبوق" من حليفه الاستراتيجي، "حزب الله"، المستعدّ لمراعاة خواطره لأقصى الحدود، بل قبل ذلك، نظراً للظروف التي استجدّت بعد الشغور الرئاسي، الذي فتح بازار "المزايدات" على مصراعيه في الساحة المسيحيّة، وبات كلّ فريقٍ يسعى لإقناع جمهوره بأنّه الأكثر حرصاً على الموقع المسيحي الأول في الدولة اللبنانية، وتحوّلت "استعادة حقوق المسيحيين" إلى "شعار المرحلة" الذي يفترض بالجميع مواكبته، وبالتالي فإنّ التصدّي لمعركة يقودها عون تحت هذا العنوان بالتحديد لن يكون "ضربة معلّم" بأيّ شكلٍ من الأشكال.

ورقتان أبعدتا "الحلفاء"..

انطلاقاً من ذلك، ترى المصادر أنّ المنحى الذي إتخذته المعركة بين "المستقبل" و"الوطني الحر" أحرج كل الأفرقاء المسيحيين، حيث نجح "الجنرال" في تحويل المعركة إلى معركة دفاع عن حقوق المسيحيين في الدولة، الأمر الذي لا يستطيع أحد أن ينكره، وبالتالي لا يمكن أن يخرج رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ أو رئيس حزب "الكتائب" ​سامي الجميل​ أو غيرهما لمواجهة عون في خطابه هذا.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ ورقتين أساسيتين استوجبتا ابتعاد الحلفاء عن "المستقبل" في هذه المواجهة، وهما ورقة "إعلان النيّات" التي يعتبر جعجع نفسه "الرابح الأكبر" منها، وهو الذي اعترف "خصمه التقليدي" بحجمه ووزنه الشعبيّين، الأمر الذي سيعود بالنفع عليه من دون شكّ على المدى الطويل، وهو بالتالي ليس مستعداً لخوض أيّ مغامرةٍ لن تكون محسوبة النتائج، من خلال الدخول في صراعٍ غير مُثمِر مع عون سيعيده إلى النقطة الصفر، خصوصًا أنّ الشعارات التي يرفعها حول حقوق المسيحيين المسلوبة واردة بشكل أو بآخر في ورقة التفاهم مع جعجع.

أما الورقة الثانية، فهي ورقة "تطوير النظام" التي بات حزب "الكتائب" يرفعها شعاراً عريضًا للمرحلة مع وصول سامي الجميل إلى رئاسته، وهو مشروعٌ يقترب فيه كثيراً من مشروع عون المطالب بتعديل النظام السياسي في البلاد، وإن حرص الجميل على الإيحاء بـ"التمايز" في مكانٍ ما من خلال رفض "المؤتمر التأسيسي" وقوله أنّ المطلوب تطوير النظام الموجود لا تأسيسه، وهما مصطلحان يقودان رغم اختلافهما إلى نتيجةٍ واحدةٍ في النهاية.

هل تصل الرسالة؟

هكذا إذاً، بات واضحاً انّ من يخرج عن الخط الذي يقوده عون من الأفرقاء المسيحيين في هذه المرحلة بالذات سيخسر كثيراً على الصعيد الشعبي، حتى ولو كان معارضاً له، فلا أحد يستطيع أن يتخلى عن المواجهة بعد أن حملت عنوان الدفاع عن الحقوق المهدورة منذ توقيع إتفاق الطائف، وبالتالي على "المستقبل" أن يخوض المواجهة وحيداً، سواء رضي بذلك أو لم يرضَ.

في هذا السياق، تشير المصادر إلى أنّ بعض المقربين من "المستقبل" بدأوا ينصحون قيادته بالمبادرة إلى معالجة الأزمة مع عون، ويحذرونها من أن اتجاه مطالبه سوف يقود حتمًا إلى ما يخشاه التيار لناحية المطالبة بالذهاب نحو تعديل النظام تحت عنوان المؤتمر التأسيسي أو غير ذلك، وتلفت المصادر إلى أنّ "طرح عون الذهاب نحو الفيدرالية لا يأتي من فراغ، وهو يدرك أن الشارع المسيحي يتناغم مع هكذا طرح إذا ما لمس الإصرار على تجاهل مطالبه".

بالنسبة إلى هذه المصادر، على التيار التنازل قليلاً كي لا يخسر كل شيء، خصوصاً أن هناك معلومات عن دعم طروحات عون من قبل بعض الجهات الإقليمية والدولية، التي ترغب بطمأنة المسيحيين في لبنان في ظل ما يتعرضون له على مستوى المنطقة، بالرغم من الملاحظات التي توضع على التحرك في الشارع، وتعتبر أن على "المستقبل" الإعتراف بضرورة إعادة التوازن إلى الشراكة الوطنية، خصوصاً أنه يتحمل المسؤولية الأكبر عنها بوصفه الراعي الرسمي لتسوية "الطائف" التي أنهت الحرب اللبنانية.

من ينتصر؟

انطلاقاً من كلّ ما سبق، باتت المواجهة بين عون و"المستقبل" تتخذ منحىً فرديًا، فـ"الجنرال" اتخذ قراره بإرادته بالنزول إلى الشارع منفرداً بمعزلٍ عن رأي الحلفاء، و"المستقبل" وجد نفسه، ولو بغير إرادته، منفرداً بعدما تخلّى الحلفاء عنه، لأسبابهم واعتباراتهم المعروفة.

الأكيد وسط كلّ ذلك أنّ ما بعد هذه المواجهة لن يكون كما قبلها، بل إنّ تحذير "المستقبل" وغيره من الانفجار بحال اللجوء إلى الشارع لن يلقى صداه، لأنّ الانفجار يكاد يصبح مطلباً للبعض، باعتبار أنّه وحده قادر أن يقود لحلّ جذري من شأنه قلب الطاولة على الجميع، وفي مقدّمهم "المستقبل" الذي يعرف القاصي والداني أنه سيكون المتضرّر الأساسي من أيّ تعديل في اتفاق "الطائف".