يعلق البرتقاليون آخر خرطوشة أمل لهم على الشارع لوصول عمادهم الى قصر بعبدا. ينتظر هؤلاء الساعة الصفر لتلبية نداء رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون للنزول إلى الشارع، علّ هذا التحرك يؤتي ثماره، بعدما استنفد جنرال الرابية كلّ الوسائل السياسية والدستورية لمعالجة الخلل في النظام ال​لبنان​ي.

بدأ العونيون الاستعدادات لتأمين نجاح الحركة الشعبية الاعتراضية، وتشهد مكاتب الهيئات في مختلف المناطق، في حضور نواب الأقضية، اجتماعات تحضيرية مكثفة، على أن تتبلور أشكال التصعيد في الساعات القليلة المقبلة، في ظلّ تكتم المعنيّين عن طبيعة التحركات التي ستكون مفصلية يوم الخميس وستفاجئ الجميع.

يبغي العماد عون من حركته إقامة التوازن في الحياة السياسية اللبنانية وتطبيق ميثاق العيش المشترك الذي ورد في مقدمة الدستور، وإقرار قانون انتخابي يعطي المسيحيين حقوقهم التي صادرها قانونا الستين والدوحة، وعزز تيار المستقبل من تهميشها.

رسم جنرال الرابية قواعد اشتباك استثنائية هذه المرة، بعدما أقفلت كلّ الخيارات أمامه، وطفح كيله من التمديد للمجلس النيابي مرتين، والتمديد للقادة الأمنيين، والتحايل الحاصل للتمديد مجدّداً لقائد الجيش العماد جان قهوجي. لجأ الى ورقة الشارع، للدفاع عن الشراكة الوطنية وموقع المسيحيّين في النظام السياسي.

يراهن العماد عون على العونيّين الذين اشتاقت الساحات الى طلاتهم، فدعاهم الى التصدّي سلمياً ضدّ إلغاء المؤسسات في الدولة، منطلقاً من فكرة أنّ في المشرق يقضون على المسيحيّين بالسيف، وفي لبنان يريدون القضاء عليهم بالسياسة، واضعاً الجميع من حلفاء وخصوم أمام سياسة الأمر الواقع، بعدما يئس من كلّ محاولات التهديد والوعيد التي كان يطلقها ويتراجع عنها لظروف أمنية كانت تولد فجأة وتضعه هو أمام الأمر الواقع، فيسكت ويعضّ على الوجع، وبعدما حاول مراراً ضبط شارعه الذي يرى كيف تنتهك حقوق المسيحيين من قبل فريق سياسي معين.

ينظر المتضرّرون في لبنان من طروحات «الجنرال» إلى هذا التحرّك كونه محصوراً بالموارنة، ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك إلى اعتبار انه يخدم مطالب شخصية تتعلق بطموحه دخول قصر بعبدا من البوابة الرئاسية وتعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش.

لا يجاري كلّ الموارنة العماد عون في اندفاعته. ويلاقي تحرّكه معارضة من حزبي «القوات» و«الكتائب» ومسيحيّي 14 آذار وبكركي التي يسعى بطريركها بشارة الراعي إلى تجنّب أيّ تصعيد ميداني. لكن ذلك لا يعني أنّ عون لا يمتلك الأكثرية الشعبية ضمن الشارع المسيحي، فهو الأقوى ومن دون منازع حتى باعتراف خصومه.

أما حلفاؤه فيعتبرون أنّ النزول الى الشارع لن يوصل الى نتيجة، لأنّ السعودية لن تقبل مسيحياً قوياً رئيساً للجمهورية، والعماد عون نفسه يعلم أنه لن يتربّع على عرش الرئاسة، قبل ان تلوح ملامح جديدة في أفق المنطقة، وتبدأ السعودية بالانحسار في الفضاء الاستراتيجي، ربما هذا ما دفع رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية الى التروّي في اتخاذ قرار المشاركة، فهو لن يكون رأس حربة في التحرّك ما دامت النتائج معروفة، وفي الوقت نفسه لن يتخلى عن عون.

أما حزب الله فبذل جهوداً بين العماد عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لإيجاد مخرج للأزمة الحكومية بعيداً من الشارع، إلا أنه لم يتمكن من ذلك. لا يبدي «الحزب» حماسة حيال التحركات، لكنه لن يتخلى عن الجنرال، فالعلاقة بينهما لم تعد فقط تحالفية إنما أصبحت اندماجية ووجودية، ونجاح تحرّك الجنرال هو بالطريقة والأسلوب اللذين رسمهما.

تلتزم الضاحية الجنوبية الصمت حيال تحرك الشارع العوني، لكنها تتمسك بتنسيق المواقف مع الرابية من دون أن تشارك جنرالها النزول إلى الميدان، وهذا ما ظهر في جلسة الخميس الماضي لمجلس الوزراء، فمشاركة حزب الله في التحركات الشعبية حتى لو كانت سلمية وديمقراطية قد تضع علامة استفهام حول الوضع الأمني في لبنان.

لا تقتصر الحركة الشعبية الاعتراضية في نتائجها كونها مرتبطة برئاسة الجمهورية، انما ستفتح الباب أمام أسئلة كبرى متعلقة بالنظام السياسي والفيديرالية التي تحدّث عنها العماد عون نفسه، وطرحه اللامركزية الإدارية الموسعة التي أقرّها اتفاق «الطائف» ولم تنفذ، الى الدولة الاتحادية التي طالب بها رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميّل أول من أمس من الصيفي.