لا يبدو أن رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون في طور التراجع عن خيار التحرك في الشارع، في حال عدم إستجابة الأفرقاء المشاركين في حكومة تمام سلام إلى مطالبه، حيث تؤكد جميع المعطيات أن "التيار الوطني الحر" أنجز كل الترتيبات اللازمة، بانتظار قرار "الجنرال" الحاسم، لا سيما على صعيد قطاع الشباب والطلاب، بعد أن كانت الوحدات المناطقية قد شهدت حالة من الإستنفار في الفترة الماضية، تمثلت بالزيارات المتتالية إلى الرابية.

في المقلب الآخر، لا شيء يوحي بأن تيار "المستقبل" سيرضخ بسهولة لمطالب "الوطني الحر"، خصوصاً بعد أن تحولت الأزمة، من وجهة نظره، إلى إستهداف لصلاحيات رئيس الحكومة السني، مقابل السعي إلى إستعادة الحقوق المسيحية، والتلميحات، التي صدرت عن بعض الشخصيات البارزة فيه، إلى أن كل فريق له شارعه الخاص تحمل في طياتها دلالات مهمة، فهل تسمح الأوضاع الأمنية بالذهاب إلى الخيارات الصعبة؟

ترى مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن أي تحرك في الشارع، في المرحلة الراهنة، هو مغامرة غير محسوبة النتائج، في ظل إنشغال الأجهزة الأمنية والعسكرية بمهام أكثر أهمية، لا سيما أن التهديدات، التي تشكلها جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش"، على الحدود لا تزال قائمة، وخطر القيام بأي عمليات إرهابية في الداخل لم ينته، وتضيف: "العالم كله يعيش الهاجس الأمني، خصوصاً أن "داعش" دعا أنصاره إلى القيام بعمليات في أي مكان لديهم القدرة فيه، وما حصل قبل أيام في كل من مصر وتونس والكويت وفرنسا لا يبشر بالخير".

على صعيد متصل، تشير هذه المصادر إلى أن بعض الأحزاب اللبنانية، أقدمت في الفترة الأخيرة على التقليص من نشاطاتها غير الضرورية، بناء على نصائح أمنية وصلت إليها، في مؤشر إلى أن الخطر لا يزال داهماً، وبالتالي لا يمكن أن يعتقد أحد أنه يعيش بمأمن عن كل ما يجري في المحيط من أحداث دموية، وتسأل: "من يضمن عدم إستهداف أي تحرك مفتوح، ومن يستطيع أن يجزم بالنتائج التي قد تترتب على ذلك؟"، لتجيب: "الأوضاع الحالية أخطر من تلك التي رافقت الإعتصامات في ساحتي رياض الصلح والشهداء بهدف إسقاط حكومة فؤاد السنيورة بعد خروج الوزراء الشيعة منها".

وتلفت المصادر نفسها إلى الأنباء شبه اليومية عن توقيف عناصر إرهابية في الداخل اللبناني، بعضها كان يخطط من أجل القيام بأعمال أمنية في الفترة الأخيرة، وتشدد على أن إستمرار "الصحوة" الأمنية، الظاهرة من خلال النجاح في منع تلك الجماعات من احداث أي خرق، تتطلب أولاً خطاباً سياسياً لا يخرج عن المألوف، ولا يتحول مادة إنقسام مذهبي كبير.

بالنسبة إلى هذه المصادر، من المستغرب كيف أن أغلب القوى السياسية تؤكد بأن الظروف لا تسمح بالذهاب إلى إسقاط الحكومة الحالية، في حين لا تتنبه إلى مخاطر التحركات الشعبية، وتحمل المسؤولية إلى جميع من سمح بالوصول إلى هذه المرحلة، بعد تجاهل مطالب تكتل "التغيير والإصلاح" لفترة طويلة، وتشدد على أن "الجنرال"، على عكس ما يتم الترويج له، لا يتحمل وحده هذه المسؤولية، نظراً إلى أنه وصل إلى مرحلة لا يمكن بعدها العودة إلى الوراء، وبالتالي كان من الواجب الذهاب منذ البداية إلى حوار معه يعالج الهواجس التي تعبّر عنها أغلب القوى المسيحية، سواء كانت ضمن فريق الثامن أو الرابع عشر من آذار.

وتلفت هذه المصادر إلى أن تطور الأوضاع هو الذي دفع رئيس تكتل "التغير والإصلاح" إلى هذا الخيار، الذي يبدو شعبياً في الشارع المسيحي بسبب الإجماع على أن الحضور في الدولة منذ إتفاق الطائف لم يكن عادلاً، وترى أن باقي الأفرقاء بدل أن يرسلوا رسائل إيجابية، في ظل ما يتعرض له المسيحيون على مستوى الشرق الأوسط، عمدوا إلى إعتماد سياسة التجاهل، ما أدى في نهاية المطاف إلى إنفجار الأزمة، وصولاً إلى إعادة طرح التيار الأقرب إلى العلمانية خيار الفيدرالية، بعد أن سبق له تبني مشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" الإنتخابي، بديلاً عن مشروع النظام النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة.

وفي حين تجزم هذه المصادر بأن العماد عون يدرك قبل غيره خطورة الأوضاع الراهنة، تعتبر أن "الجنرال" ليس لديه ما يقدمه في سبيل الخروج من المأزق الحالي، لا سيما أن أي خطوة يقوم بها إلى الوراء ستسجل في خانة الهزائم، وتدعو الأفرقاء الآخرين إلى القيام بالمبادرة نحوه لتجنيب البلاد الكأس المُر، خصوصاً أن سقوط الهيكل سيكون على رأس الجميع لا على فريق محدد.

في المحصلة، الأزمة في طريقها إلى حافة الهاوية، وبات من الضروري خروج مبادرة ما إلى الضوء، لكن من يملك القدرة على إبتكار الحلول في ظل إنشغال اللاعبين الإقليميين والدوليين بقضايا أكثر أهمية، وهل يكون توقيع الإتفاق النووي الإيراني المفتاح؟