في ظل الأوضاع التي يمر بها العالم العربي والإسلامي، حيث ترتفع أبواق الفتنة والتحريض في كل مكان، قد يكون من اللافت أن تصدر دعوة لعقد مؤتمر تحت عنوان "متحدون من أجل فلسطين"، فـ"الإتحاد" غائب عن السمع في السنوات الأخيرة، و​القضية الفلسطينية​ أصبحت طي النسيان بسبب إنشغال كل دولة في قضاياها الداخلية، لكن هل من الممكن القول أن هناك بارقة أمل تلوح في الأفق؟

الدعوة وجهت فعلياً، من قبل "الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة"(1)، لعقد هذا المؤتمر في بيروت يوم 28 الحالي في قصر الأونيسكو، بمشاركة وحضور كوكبة من العلماء على امتداد العالم من 60 دولة تقريباً، وسيتخلل الإفتتاح كلمة لأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، على أن تستمر أعمال المؤتمر في 28 و29 من تموز 2015 في فندق الساحة، وبحسب المعلومات، المشاركون هم أولاً مفتو الدول، وأبرز علماء الدين في دولهم، ورؤساء اتحادات أو جمعيات أو هيئات علمائية بارزة وفاعلة في مناطقهم، ومن المتوقع أن يفوق عدد الحضور من خارج لبنان 160 شخصية، ومن لبنان وسوريا 350 شخصية.

فلسطين عنوان المؤتمر الأول

يوضح الشيخ ​ماهر مزهر​، في حديث لـ"النشرة"، أن هذا هو المؤتمر الأول الذي يعقده الإتحاد، ويشير إلى أن فكرة ولادة الإتحاد طرحت خلال مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران من قبل العديد من الوفود المشاركة، ويلفت إلى أنه بعد ذلك عقد الإتحاد جلستين: إدارية وتأسيسية، وتم الإتفاق على أن يكون المؤتمر العالمي الأول حول القضية الفلسطينية.

ويلفت الشيخ مزهر إلى أن الهدف من إختيار هذا العنوان بالذات، هو التأكيد على ضرورة أن تكون وجهتنا فلسطين والصراع مع الإسرائيلي لا مذهبي أو طائفي، خصوصاً أن هذا العدو هو الذي يغذي الفتن ويسعى إلى التقسيم في البلدان العربية والإسلامية.

من جانبه، يشرح الشيخ حسين غبريس أن إختيار العنوان أخذ وقتاً في النقاش حول ما يمكن أن يكون مناسباً لهذه المرحلة، وهو الخيار الأفضل خصوصاً أنه بات من الواضح أن الأغلبية أضاعت البوصلة أو لم تعد فلسطين من ضمن أولوياتها.

من ناحية أخرى، يشير الشيخ غبريس إلى أن الإتحاد أراد أن يكون العنوان جامعاً، ويكشف أن الدعوات التي وجهت لم تستثن أحداً، لا من القوى الإسلامية المتنوعة ولا من القوى الفلسطينية التي ليست على وفاق تام معنا، ويشدد على أن زوال إسرائيل هو فكرة أساسية لا يجب أن تسلخ من ذاكرة الأجيال.

بين العراقيل والآمال

وفي حين تبدو العراقيل كثيرة أمام الجهود التي يبذلها الإتحاد، لدى القائمين عليه آمال كبيرة بالوصول إلى نتيجة مهمة، خصوصاً أن ما يقوم به هو واجب ديني وإنساني بالدرجة الأولى، إلا أن صفة إنتماء أعضاء الإتحاد إلى فريق واحد، رغم الخلافات القائمة، تعتبر من وجهة نظر الكثيرين عاملاً غير مساعد في الوصول إلى الأهداف الموضوعة.

بالنسبة إلى الشيخ مزهر، الفتنة القائمة في الأمة، ناتجة إلى حد بعيد عن التغذية بالمال والتطرف، وللأسف هذا المال عربي الهوية، لكنه يشير إلى قلة قليلة من العلماء الذين يدعون إلى الوحدة الإسلامية تواجهها، ويضيف: "نسعى إلى الوحدة الإسلامية لننطلق بعد ذلك إلى الوحدة الوطنية"، ويؤكد أن هذه الجهود "خير لنا من أن نجلس في منازلنا، وهذا واجب ينبع من أصل الدين الإسلامي الذي يدعو إلى الوحدة".

ويعطي الشيخ مزهر أن مثالاً على الواقع الحالي حكاية النبي إبراهيم عندما ألقاه النمرود في النار، وعن دور الحرباء والضفدع، حيث لم تنجح الحرباء في دورها ولا الضفدع، لكن الكل عمل بتكليفه، ويتابع: "علينا أن نواجه ولو بالصوت لأن الله هو الذي أمرنا باطفاء هذه الفتن التي تطالنا جميعا".

بدوره، يشرح الشيخ غبريس أنه عندما وجهت الدعوات إلى المؤتمر، كان هناك تأكيد من جانب رئيس الإتحاد على ضرورة أن يجمع كافة الأطياف، بالرغم من الفتور في العلاقة، بين تيار "الإخوان المسلمين" وتيار المقاومة، الذي له أسبابه الخاصة، ويكشف أن هناك وفوداً من تيار الحركة العالمية ستشارك في المؤتمر.

وفي حين يعترف بصعوبة المهمة، يعتبر الشيخ غبريس أن "علينا أن نسعى والباقي يترك للمستقبل، الأمر صعب، كأننا ندخل حقل ألغام لكن هذا لا يعني أن نبقى صامتين"، ويعرب عن أمله بالنجاح نظراً إلى الإستجابة غير العادية من المدعوين، ويشدد على أن "نسبة المعتذرين لا تتجاوز 10%، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً".

إلى الحوار در

قد يكون من المبكر الحديث عن خطة مستقبلية، لكن عملياً ملّ المواطنون من المؤتمرات والخطابات، وهم لا يعولون على مؤتمر لا يضع خطة عمل مستقبلية تكون قادرة على تبديل الأوضاع السيئة، خصوصاً أن هناك دوراً كبيراً يجب أن يقوم به علماء الدين في مواجهة الحركات المتطرفة المنتشرة بكثافة.

يعترف الشيخ مزهر بهذا الواقع، لكنه يشير إلى أن المدة القصيرة التي تأسس الإتحاد خلالها لم تسمح بوضع خطة إستثنائية، لكن هناك آمال وطموحات كبيرة تعقد عليه، لا سيما على دور رئيسه الشيخ ماهر حمود، من أجل الإنطلاق بحوار مع الآخرين في لبنان وخارجه، ويضيف: "نسعى إلى الحوار مع هيئة العلماء المسلمين، ومع كل من يريد أن يعيش ضمن هذا الوطن، ومقاومة العدو يجب أن تكون نقطة جامعة حتى ولو اختلفنا في بعض النقاط التي لا تفسد بالود قضية".

أما الشيخ غبريس، فيكشف أن الإتحاد وضع نظاماً أساسياً سيعرض على كل المشاركين خلال المؤتمر، ويؤكد العمل على توسيع دائرة ومروحة العضوية، من خلال خطة متوسطة الأمد تهدف إلى تعميم العضوية على سائر البلاد التي يمكن الوصول عليه.

كما يكشف الشيخ غبريس عن توجه إلى فتح باب الحوار مع الحركات الإسلامية التي تختلف مع الإتحاد في التوجهات، ويشدد على أن هذه الرغبة لن تستثني أحداً على الإطلاق لأن الحوار مطلوب حتى لو كان لإلقاء الحجة فقط.

في المحصلة، هي دعوة جديدة إلى الحوار، يتمنى القيمون على الإتحاد نجاحها، خصوصاً أنها ستشكل نقل نوعية على مستوى المنطقة، إلا أن العراقيل التي تواجهها تبقى كبيرة جداً.

(1)تأسس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة عام 2014، مركزه الرئيسي بيروت، ويضمّ مجموعة من العلماء المسلمين من أقطار شتى، وفي هيكليته هيئة رئاسية، فيها ممثلون من عدة بلدان: لبنان، سوريا، فلسطين، مصر، تركيا، ايران، ماليزيا، العراق وغيرها، ويرأس الاتحاد الشيخ ماهر حمود.

يهدف الاتحاد، بحسب ما يعلن، الى جمع كلمة العلم والعلماء في وحدة إسلامية نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة الفكر المذهبي والتكفيري البغيض، وفي رفع الغبن والظلم اللاحق بشعبنا الفلسطيني لاسترجاع حقوقه المشروعة في أرضه السليبة فلسطين، وكذلك إلى تصيحح المفاهيم المغلوطة التي شاءها البعض وقدمها بطريقة بشعة، قلب فيه الركائز الأسس التي بني عليه إسلامنا الحنيف الى ممارسات وسلوكيات أبعد ما تكون عن أخلاق رسالة نبي الرحمة محمد، مع التأكيد على احترام كل خصوصيات المجتمعات المتنوعة دون السماح بالمساس بها.