لم يكن توقع اقتراب نهاية تنظيم "داعش" الارهابي واستنهاضه مع اشقائه الارهابيين بصورة جديدة، آتياً من فراغ. وما الحديث المتكرر في الاونة الاخيرة عما اسفرت عنه التطورات السياسية واهمها الاتفاق النووي مع ايران، سوى توطئة لهذا المخطط المنوي تنفيذه في اسرع وقت ممكن.

واكملت التطورات التي شهدتها تركيا في الساعات القليلة الماضية هذا التوجه، واقفلت الحلقة التي كانت تنتظر كتابة عنوان الفصل الاخير من كتاب نهاية "داعش". فما الذي حصل؟

انقلب الموقف التركي بين ليلة وضحاها، فبعد "عناد" انقرة الطويل، و"غض الطرف" عن تحركات ونشاطات "داعش" والارهابيين، باتت اليوم في صلب المعركة، وقد تطالب قريباً في ان تكون رأس الحربة للقضاء على "داعش". وفي حين كانت تركيا تحتاج بالفعل الى حافز ما لتغيير الموقف بعد القراءة السياسية الاخيرة، اتت التفجيرات التي شهدتها وتبني التنظيم المذكور لها، في افضل توقيت ممكن.

هذا الامر نجح في دفع الجيش التركي الى وضع خلافاته الحادة مع الطبقة السياسية ووجهات النظر "المتناقضة" لكل منهما حول مختلف الامور جانباً، واتفقا على التحرك بانسجام تام. وفي الحقيقة ان هذا التغيير بالذات، مرده الى ضعف السلطة السياسية التركية الحالي وفي مقدمها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحزبه، واندفاع الجيش للتأكيد للاتراك انه سيكون الحامي الحقيقي لهم وليس سياسة السلطة، وان قراره بالتدخل الميداني في الحرب على "داعش" هو لضمان امن تركيا والاتراك، واتى بعد "اعتداء" على الاتراك، وبالتالي لا مشكلة لديه في سقوط جنود اتراك للدفاع عن تركيا، فيما كان سابقاً يرفض التدخل تحت ذريعة عدم الغرق في مستنقع الارهاب والارهابيين واستنزاف جنوده وضباطه من اجل مصالح دول وشعوب اخرى.

ولضمان عودتها الى الساحة الدولية والتنفس بعد ان كانت غارقة في مياه المتاعب السياسية الاقليمية، لعبت تركيا ورقة السماح للغرب بتوجيه الضربات لداعش عبر اراضيها، وهي خطوة لم تكن تركيا ترضى باتخاذها منذ اشهر قليلة مضت، وتعكس بما لا يقبل الشك مدى الوضع الحرج الذي باتت فيه. وفجأة، لم يعد حزب العمال الكردستاني الهمّ الاول، بل تحول الى همّ ثانوي بعد ان انقلبت الاولويات، ووفق ما هو مفهوم ومعتمد لدى الدول، لا تنقلب الاولويات بشكل مفاجىء ومجاني، بل تحتاج الى حوافز ومكاسب وعوامل عدة تؤمّن الارضية اللازمة للقيام بمثل هذه الخطوة الكبيرة.

وبعد هذين القرارين، يظهر بوضوح ان القرار بانهاء "داعش" والارهابيين بصورتهم الحالية، قد اتخذ وبدأت الخطوات الاولى لتنفيذه عملياً. صحيح ان الفترة التي يحتاجها هذا التنفيذ قد تطول نسبياً، لكن الفارق انها ستجري وسط مرحلة من "الراحة" السياسية في المنطقة، خصوصاً اذا ما اكملت ايران في سياسة طمأنة الدول الخليجية وفي مقدمها السعودية، عبر الملف اليمني الذي بدأت حدته تتراجع نسبياً، وهو لا يزال يحتاج بالطبع الى وقت غير قصير لوضع مرحلته النهائية موضع التنفيذ ضمن سياسة لا غالب ولا مغلوب، واعطاء الحوثيين صلاحيات اكبر.

ولن يكون مستغرباً في الفترة المقبلة ان يزداد عدد الدول التي ستعلن انضمامها لمحاربة "داعش"، كما ان الدول التي تدعم هذا التنظيم الارهابي بصورة غير علنية، ستوقف هذا الدعم وستضع محاربي هذا التنظيم تحت الضغط، بحيث سيضطرون اما الى الموت او الى العودة الى حياتهم اليومية التي تركوها للتحول الى ارهابيين يكسبون المال ووعوداً زائفة بالجنة فيما قد خسروا انسانيتهم.

ليست تركيا الورقة الوحيدة او الحل السحري لانهاء وجود "داعش"، ولكنها حتماً ورقة اساسية في هذا السيناريو الموضوع، وتحول موقف انقرة يحمل تفسيرات ابعد بكثير من "ضربة انتقامية" لاعتداء "داعش" عليها، كما ان الحملات وعمليات الدهم التي حصلت، كلها مؤشرات الى ان مسيرة انهاء "داعش" بدأت تخطو خطواتها الاولى، فمتى تكون النهاية؟