بعد المؤتمر الدولي الهام الذي انعقد في دمشق تحث عنوان «المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري» والذي شارك فيه نخبة من المفكرين والباحثين والإعلامين واختتم بإعلان دمشق

الذي تضمن مواقف وخطوات عملية لمواجهة التكفير وإرهابه، جاء خطاب الرئيس بشار الأسد ليحدد بشفافية وواقعية تامة خصائص المرحلة ويجيب بصدق وجرأة على أسئلة كبيرة تدور في ذهن السوريين أولا وتراود أفكار الأصدقاء والأعداء أيضا. ومن خلال هذين الأمرين (إعلان المؤتمر وخطاب الرئيس ) وبينهما كلمة السيد حسن نصرالله في حفل تخريج أبناء الشهداء ، يستطيع المتابع أن يقف على صورة المشهد الإقليمي انطلاقا من سورية ليقف بدقة ووضوح على ما يمكنه من استقراء مسار الأحداث المستقبلي وفي هذا السياق نستطيع القول بان حربا استهدفت سورية لنيف وأربع سنوات، أخفقت في تحقيق أهدافها وباتت تهدد في لظاها بعضا ممن أضرمها وسعر ونارها، وان هذه الحرب لم تبلغ منتهاها بعد لكن المواجهة والمتغيرات حددت بشكل واضح من انتصر وسينتصر ، ولذا فانه بصدد تطوير استراتيجيات المواجهة حتى يثبت الانتصار.‏

فسورية وحلفاؤها في محور المقاومة يعلمون جيدا بان العدوان الذي يستهدفهم لازال مستمرا وأن التقلب في الممارسات كما يبدي أركان العدوان ومكوناته لن يخدع المستهدفين بهذا العدوان ولن يخدرهم ولن يحملهم على الثقة بمن صنع الإرهاب واتخذه جيشه السري واستثمر فيه إلى اقصى الحدود عبر تكليفه بشن الحرب البديلة المتفلتة من كل القواعد والمعايير المعروفة في الحروب فكانت ممارستهم إجراما موصوفا لم يترك نوعا من جرائم إلا وارتكبه من غير وازع من دين أوقانون أوأخلاق.‏

ومع عجز العدوان عن تحقيق أهدافه، كان استمرار سورية في الميدان وعملها مع حلفائها في محور المقاومة معطوفا على متغيرات تاريخية واستراتيجية كبرى تكللت مؤخرا بالاتفاق النووي الإيراني الدولي، الاتفاق الذي هيأ الفرص لامتلاك إيران مصادر قوة وطاقة إضافية تمكنها من دعم معركتها الدفاعية في سياق العمل ضمن محور المقاومة كل ذلك يؤكد بان الحرب الدفاعية التي يخوضها المحور باتت رغم عدم ظهور أفق لنهايتها حتى الآن، هي حرب يمتلك المدافعون فيها كل مقاومات الانتصار من إرادة وقرار ثم من وسائل وقوى.‏

كما أن محور المقاومة لا يخدع نفسه ولا يخدع جمهوره ولا يفرط بالتفاؤل ويقول إننا أنهينا الحرب أوأننا نقترب من انهائها، بل انه وبشفافية وواقعية يرى أن الحرب مستمرة ويعلم أن الأفق السياسي لانهائها لازال مسدودا لان قوى العدوان لم تسلم بالخسارة رغم انها باتت تشعر بمتغيرات تجعلها عاجزة عن تحقيق الانتصار ولكنها تسعى لسلوك لا يشكل اعتماده هزيمة لها تنعكس على مصالحها الاستراتيجية إقليميا ودوليا.‏

ولان الأمر كذلك فقد كان الرئيس الأسد في خطابه الأخير واضحا في التأكيد على المسار العسكري للمواجهة، وأهمية الاستمرار في الميدان لمنع الإرهاب من تحقيق أهدافه، وهنا يبدو التكامل بين ما صدر عن مؤتمر مواجهة الإرهاب التكفيري من قرارات تؤكد على الحرب الإعلامية على الإرهاب وما أكده الرئيس الأسد من أهمية الحرب النارية في مواجهته. فالإرهاب الذي يعتمده الغرب للنيل من سورية ومحور المقاومة والمنطقة كلها يعمل كأفعى ذات نابين ، ناب اعلامي وناب ناري ، ولذا وضع مؤتمر دمشق استراتيجية المواجهة الإعلامية بدءا بتحديد مخاطر الإرهاب وصولا إلى كيفية التعاطي والمواجهة مع من ينقل الفكر التكفيري والأداء الإرهابي ويروج له من محطات ومواقع وشاشات، أما الاستراتيجية الدفاعية الميدانية فقد كانت واضحة في خطاب الرئيس الأسد الذي ورغم انه لم يهمل الجانب الفكري والتحليلي للإرهاب طبيعة وممارسة وانه أولى الأمر ما يستحق من أهمية ، ألا انه واعتقادا منه بانه وفي غياب أي إشارة لاقتراب الحلول السياسية تبقى المواجهة العسكرية هي الأساس فانه اكد على الأصول العملية في ذلك محددا وبشكل علمي منطقي وواقعي ما يمكن البناء عليه لبلورة الاستراتيجية الدفاعية السورية ، الاستراتيجية التي يظهر انها تقوم على أركان أربعة :‏

1- تحديد جدول الأولويات في عمل الجيش والقوات المسلحة، إذ وفي ظل حجم المخاطر تظهر صعوبة وجود القوى المسلحة في كل مكان وأي مكان في الوقت نفسه لذا يكون تحديد أولويات العمل امراً ملحا في هذا المضمار أما معايير التحديد فإنها تنطلق من أهمية المنطقة والمكان بذاته ثم انعكاسها على مسار العملية الدفاعية بشكل عام ثم تأثيرها على الصورة العامة للدولة وهيكليتها.‏

2- الاقتصاد بالقوى، وهو مبدأ تجد سورية نفسها ملزمة باعتماده لان العدو يملك القدرات والطاقات الكبيرة والقدرة على خوض حرب استنزاف يمكن أن يحولها إلى حرب حسم إذا وجد أن الفرص فتحت أمامه وبالتالي إن دور وواجب المدافع أهون يحتفظ بطاقات احتياط دائمة لمعالجة أي طارئ يمكن أن يستفيد منه العدو فيحيل الاستنزاف إلى حسم. ولأجل ذلك كان التركيز منذ الأساس على أهمية سلامة الجند وحياتهم لسببين الأول إنساني أخلاقي والثاني عسكري دفاعي.‏

3- السير قدما بعملية استكمال القدرات، وهي عملية تفرض في كل مرة تتحول الدولة من السلم إلى الحرب، ثم تتابع في كل مرحلة يبدوفيها أن الحرب تقلبت أوتمظهرت في مظهر جديد. وأن من يتابع القرارات السورية في هذا لمجال يجد أن سورية أتقنت عملية استكمال القوة والقدرات في كل مراحلها.‏

4- دور الشعب في العملية الدفاعية، إن حربا بالطبيعة والشراسة التي تشن فيها على سورية لا يمكن أن تكون القوات المسلحة وحدها كافية للمواجهة الدفاعية فيها، ولذلك فان للشعب دوره في الدفاع وباي درجة يختار فيها المساهمة بدءا من الدعم المعنوي والتأييد القلبي وصولا إلى حمل السلاح والقتال إلى جانب القوات المسلحة مرورا بالدعم المادي واللوجستي.‏

على ضوء ما تقدم وربطا بما جرى نجد أن المواجهة في سورية وبعد الاتفاق النووي الإيراني وبعد المتغيرات الإقليمية والدولية تتم وفقا لاستراتيجية واضحة المعالم بشقيها الإعلامين والناري فضلا عن السياسي والاستراتيجي بما يشكل قفزةً نوعية لصالح محور المقاومة في مواجهة للعدوان الإرهابي التكفيري الذي يقوده أرباب المشروع الاستعماري ، مواجهة ستكون في كل ميدان واتجاه سواء كان ذلك فكريا إعلاميا نفسيا أوكانت مواجهة نارية في الميدان تنخرط فيها كل القوى العاملة من جيش وشعب ومقاومة ، ومع وجود الإرادة والثقة فان الانتصار يكون أكيدا رغم أن الطريق اليه يبقى طويلا يستلزم وقتا إضافيا .‏