يتحدث الرئيس السوري بشار الأسد أمام الرأي العام الإقليمي والدولي ومن بين هذا الرأي العام، الرأي العام اللبناني المنقسم الذي يتلقى خطابات الأسد منذ بداية الأزمة السورية، كلٌّ بما يتناسب مع رؤيته وتوجهاته وأمنياته.

راقب المتابعون مجمل خطابات الأسد وركزوا على طروحاته ومعنوياته ليبنوا مشهداً واضحاً يستطيعون من خلاله التنبؤ بالمقبل من الأيام وما يمكن أن تؤول إليه الأمور، وكان السؤال دائماً: هل يصمد الأسد؟

المجتمع اللبناني المنقسم سياسياً هو أكثر من يتابع هذه الخطابات، ففي هذا البلد لا يوجد حلّ وسط تجاه هذا الرئيس، فإما محبٌّ أو كاره، والمحبّ معروف أنه يؤيد محور حزب الله وحركة أمل والمرده والتيار الحر نسبياً، أما الكاره المنتمي لقوى 14 آذار عموماً، في طليعته تيار المستقبل والقوات اللبنانية.

يتحدث الرئيس السوري أمام ممثلي المجتمع السوري النقابية بارتياح كبير يعكس معطيات يريد إعلامها للناس وهو يعرف جيداً أنها تصل إليهم اليوم بغير روح وقابلية ومنطق.

يؤكد الرئيس الأسد في هذا الخطاب أنّ هناك الكثير من الأقنعة قد سقطت وأصبح اللقاء والحديث لتفنيد حجج من اعتدى على سورية مضيعة للوقت بكلّ الأحوال. جلّ ما قصده الرئيس الأسد هنا هوالتلميح إلى المتغيرات الإقليمية التي طرأت على الملف السوري نتيجة الإنجاز الكبير وهو النهاية السعيدة لحلفائه، في ما يخصّ الملف النووي الإيراني. فالأميركي الذي يستعجل الحلّ لمكافحة الإرهاب باعتباره ورقة انتخابية أميركية يراهن عليها الحزب الديمقراطي ضغط بشكل واضع على التركي الذي أعلن حربه على «داعش» ويبدو أنّ هذه الحرب جدية.

لا يساوم الأميركي أو يتراخى بما يخصّ الأوارق الانتخابية وأوباما الذي قدم للأميركيين تفاهماً مع إيران يعتبر إنجازاً تاريخياً والذي قدم لهم أيضاً مصالحات، بينها حلّ مشكلة الأزمة مع كوبا ليس في وارد الاختباء خلف الإصبع من أجل التزامات أو تصريحات سابقة أطلقها، وأوحت له بإمكانية تغيير المعادلة في سورية عن طريق ضخّ الإرهاب إليها.

أما وأنّ مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط والقضاء على «داعش» هو قرار استراتيجي للحزب الديمقراطي اليوم كورقة يبهر فيها الناخبين الذين يرون معاناة العالم مع الإرهاب شرقاً وغرباً، وقد اتخذ، فإنّ إدارة أوباما لن تتوانى عن الاعتراف بضرورات التعاون مع النظام السوري في فترة باتت أقرب من قبل وذلك بعد مؤشرات تهيئة أرضية مماثلة في العراق للتعاون الأميركي مع الجيش العراقي وضعها الجنرال مارتن ديمبسي وآشتون كارتر كتنسيق ضرورة مع الإيرانيين على خط مكافحة الإرهاب. أما على الخط السوري، فقد أعطى أوباما الضوء الأخضر لتركيا لتكافح «داعش» وهو الضوء الذي كان محجوباً عنها بصيغة أميركية سابقة جعلت من أنقرة حاضنة للتنظيم الإرهابي.

قرار محاربة «داعش» صدر، وفي هذا الإطار يعرف أوباما أنّ الاعتراف بالجهات التي تقاتله والتي لا تتعدى الجيش السوري وحزب الله والحشد الشعبي العراقي والجيش العراقي إقليمياً آتٍ لا محالة إذا أراد النجاح في مهمّته التي تحمل طابعاً داخلياً مصلحياً بالنسبة إلى حزبه. وفي هذا الإطار، أكد الأسد أمس، الاستمرار على طريق مكافحة الإرهاب فهو وحده الطريق الذي يؤدي إلى الحلّ السياسي ويرفع راية مكافحته التي كان قد تحدث عنها كقدر واقع على جميع دول العالم التي صدرته إلى سورية.

أما عن سقوط الأقنعة الذي تحدث عنه الأسد، قاصداً الأميركيين والأتراك وغيرهم ربما، فإنّ الأسد وعلى نطاق أضيق يترقب سقوط بعض الأقنعة اللبنانية كأمر واقع، وهو الذي لم ينس زيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق عام 2009 بعد القطيعة والهجوم السياسي واتهامه سورية بقتل والده، ولم ينس أيضاً محاولات وليد جنبلاط المصالحة معه وعليه يتوقع الرئيس السوري من بعض اللبنانيين تقليد المعلم الأميركي والتقدم نحو سورية تدريجياً، بمجرد إعلان نوايا تعاون إقليمية بصيغة ما مع نظامه وهذا قبل الحلّ السياسي.

يكاد خطاب الرئيس الأسد يسجل ضمن أهم الخطابات توقيتاً ومضموناً وقد أظهر نسبة أكبر من الثقة بصوابية المسير والقدرة على التعاون وتقبل أي متردّد في التوبة، المتردّد سياسياً أو عسكرياً الذي لن يجد سوى هذا النظام شريكاً فرضته اللعبة العسكرية.

لا يخلو فريق 14 آذار من المتردّدين والقلقين من أجواء الارتياح التي عكسها خطاب الأسد وأجواء الدعم التي تصبّ في مصلحته أميركياً وإيرانياً وتركياً، وهو بالتالي على موعد مع انعطافة جديدة ستفرضها اللعبة نفسها والتي جعلت منه فريقاً سياسياً تابعاً لمشاريع ارتأت في ذلك الزمن الهجوم على سورية وترى اليوم أنه بات من الأفضل التعاون مع نظامها.

راقب اللبنانيون المتردّدون أمس خطاب الأسد وأدركوا أكثر من أي وقت مضى أنّ مقاطعة سورية طيلة السنوات الماضية، سيقابلها اليوم انفتاحاً غير مسبوق عليها سيبدأ ديبلوماسياً وقد افتتحته تونس بسفارتها وهي أولى دول الربيع الذي أرادوه ويؤكد لهم أنّ عودة العلاقات الديبلوماسية والحكومية والعسكرية مع النظام السوري بشتى أشكاله باتت أقرب من أي وقت مضى وهي تندرج ضمن مخطط إقليمي مشترك لمكافحة الإرهاب أولاً وأخيراً سقطت أقنعتهم أم بقت.