تنتهي في 29 تموز الجاري مهلة تقديم طلبات الانتساب إلى التيار الوطني الحر، والتي تخوّل العونيين المشاركة في القرار الحزبي وانتخاب الرئيس.

تفتح أبواب الترشيحات للانتخاب في 20 من آب المقبل، وستتنافس لائحتان تضمّان الرئيس ونائبيه الأول للشؤون الخارجية والثاني لشؤون التيار، في لوائح مغلقة، قبل شهر من موعد الانتخابات التي حدّدها النظام الداخلي للتيار في 20 ايلول المقبل، في موعد يسبق انتهاء خدمة قائد فوج المغاوير في 15 تشرين الأول في توقيت قرأ فيه بعضهم محاولة وضع العراقيل والأسلاك الحديد الشائكة لانتقال روكز الى رئاسة التيار العوني، لا سيما انّ وزير الخارجية جبران باسيل طرح مع وزير الدفاع الوطني سمير مقبل فكرة استدعاء العميد روكز من الاحتياط لفتح المجال أمامه لقيادة الجيش، ويكون باسيل بذلك ضرب عصفورين بحجر واحد وأزاح روكز من مزاحمته على قيادة التيار مباشرة أو بواسطة من أحد المدعومين من روكز. ويؤكد المقرّبون من باسيل أنّ العميد روكز لم يوحِ ولا يوحي أنه يرغب في ترؤس التيار الوطني الحر بعد الجنرال ميشال عون، وهو في الأصل لا يحمل البطاقة البرتقالية التي تخوّله الترشح لهذا المنصب، ولو كان يريد ان يرأس التيار لكان قدّم استقالته منذ سنتين. واذا كان كثيرون يعتبرون انّ باسيل نصب فخاً لروكز، فإنّ تكتل النائب آلان عون الانتخابي ضدّ صهر الجنرال لا يسمح لنفسه بتفسير ما يجري، ويعتبر في الوقت نفسه «انّ تأجيل الانتخابات شهراً لن يقدّم أو يؤخر «فجمعة بالزايد جمعة بالناقص ما رح تخرب الدني».

وبين الصهر المرشح بدعم من الجنرال، وابن الشقيقة الذي عقد العزم على التصدّي للاستيلاء على التيار من رفيقه البتروني، يطرح مقرّبون من العميد روكز بحسب ما يؤكد العونيون بقاء الجنرال على رأس التيار الوطني الحر وتأجيل الانتخابات وإجراء انتخابات لهيئة تأسيسية وتعيين نائب رئيس في مرحلة انتقالية لترتيب الوضع الداخلي تمهيداً لانتخابات فعلية عندما تحين الظروف التي لا تسمح بذلك حالياً، ويبدو أنّ هناك تأييداً لهذا الطرح من عدد من النواب الحاليين والسابقين كالنائبين نبيل نقولا وسليم عون اللذين يؤكدان انّ مصلحة التيار فوق كلّ اعتبار، والأوضاع المحيطة بلبنان تتطلب التكاتف والتعاون ولا تسمح بالخلافات والانقسامات التي قد تضرّ على رغم اللعبة الديمقراطية.

المعركة احتدمت بين جبران وآلان قبل أن يفتح باب الترشيحات، وتردّد انّ لائحة عون قد تضمّ طوني نصرالله نائباً للرئيس لشؤون التيار ورمزي كنج نائباً للرئيس للشؤون الخارجية. وبدأت التحضيرات والاجتماعات في شكل مكثف ودوري على مستوى الرجلين مع القاعدة الشعبية ومنسقي المناطق والبلديات. وكان آخر هذه الاجتماعات اجتماع النواب: آلان عون، ابراهيم كنعان، حكمت ديب، سيمون ابي رميا، ولقاء نائب بعبدا مع هيئة التيار الوطني الحر ومنسقيه في قضاء المتن الشمالي، وزيارة وزير الخارجية الى مركبتا في قضاء المنية الضنية ولقائه بالكوادر البرتقالية، وما سبق ذلك من لقاءات عقدها مع منسقي الأقضية.

يبدي منافسو جبران انزعاجاً شديداً من إصرار رئيس تكتل التغيير والاصلاح أن يصبح وزير الخارجية رئيساً للتيار اليوم قبل الغد، وتلميحه مراراً أنه لن يقبل برئيس غير جبران.

لن يقبل هؤلاء بتحويل باسيل الحزب من حزب الديمقراطية والشراكة إلى حزب الرئيس والقرار الواحد، حتى لو كلفهم ذلك الانقلاب على الانقلاب الذي نفذه جبران ضدّ النظام الداخلي، ويؤكد هؤلاء، انهم لا يخوضون حرباً شخصية مع باسيل، والمعركة ليست صراعاً على الورثة أو داخل جدران البيت العوني الضيّق، إنما هي معركة المنطق والديمقراطية حفاظاً على «الوطني الحر»، وتغليب آليات الانتخاب والتصويت والديمقراطية على التعيين، وهي معركة ضد حصر القرارات بشخص الرئيس، ومعركة ضد استئثاره بتعيين أعضاء المجالس السياسية والاستشارية والوطنية والتنفيذية ومجلسي التحكيم والحكماء، فصحيح ان الانتخابات هي من يفوز بالعدد الأكبر، لكن ذلك لا يكفي، لن نجري انتخابات لنقول إننا انتخبنا، نحن نريد ونسعى الى أن يشترك الجميع في اتخاذ قرارات الحزب الكبرى.

يؤكد تكتل النائب عون أنّ من أهداف التيار الوطني إرساء الديمقراطية نظام حكم وأسلوب حياة، فكيف ننادي بالديمقراطية ونحن داخل حزبنا لا نطبّقها، إنّ الخلاف الحاصل هو خلاف على نهجين: نهج يعبّر عنه الصهر الذي يرفض مبدأ الشراكة، ويقوم على التفرّد والتسلط والديمقراطية المزيّفة ويسعى الى سحب التصويت من أعلى سلطة في الحزب باعتباره أنّ الشراكة تكبيل للرئيس، وآخر نعبّر عنه نحن وشريحة كبيرة من البرتقاليين ويقوم على إجراء الانتخابات واعتماد التصويت في القرارات الكبرى، فأحد لا يمكنه بمفرده أن يتفرّد بالقرارات، وإلا لماذا العمل على تأسيس الحزب وإجراء الانتخابات، فهل يطلب من العونيين الجهد والمال وفي الوقت نفسه لا يؤخد برأيهم، نحن نريد إطاراً تنظيمياً قوياً قادراً على مواجهة عواصف الخارج والداخل، وننظر الى المستقبل انطلاقاً من رؤية وتجربة طويلة عاشها العونيون، فهل يريد الجنرال منا أن نستعيد تلك التجارب؟

وعليه يبدو انّ العماد عون، وفق داعمي نائب بعبدا، أسير وضع معيّن، لا نعرف إلى أين سيوصلنا، فنحن على أبواب مئة سنة من ولادة لبنان الذي مرّ بتجارب عديدة أكدت للقاصي والداني أنّ أحزاب السلطة تحوّلت الى دكاكين صغيرة، فقادة ورؤساء تلك الأحزاب افتقدوا النهج الديمقراطي في التعاطي فأضاعوا البوصلة في المطامع، فكان الصراع على السلطة أقوى من الهدف.

لا يريد مؤيدو آلان ان يكرّر الوطني الحر تجربة تلك الأحزاب والقادة، ويريد هؤلاء حزباً متكاتفاً متضامناً لا حزب يافطات تحمل صور الرئيس.

في مقابل الحديث ان لا حيثية لباسيل أو غيره خارج حزب قوي. يؤكد مقرّبون من باسيل اذا كان جبران يريد أن يرث التيار البرتقالي فهل يكون جنرال الرابية بعيداً من الفكرة؟ ولماذا يشنّ هؤلاء الهجوم على الوكيل بدل الأصيل، واذا كان «العماد» رجلاً استراتيجياً، ألا يعتبر قولهم إنّ باسيل يؤثر عليه مسيئاً بحق الجنرال. هؤلاء هم غافلون وغائبون منذ عام 2005 حتى اليوم، ربما جبران يريد أن يرث التيار، لكنه يعمل ويكدّ ويجهد في الوزارات وفي الإدارة والعلاقات السياسية، في حين انّ هؤلاء يريدون وراثة التيار من دون أن يقدّموا شيئاً للتيار ليسمحوا لنا، لن نقبل بذلك.

يوجه مناصرو باسيل سهامهم تجاه منافسي المرشح البتروني، يسألون كيف طبّق نعيم عون الديمقراطية؟ وكيف طبّق النائب ابراهيم كنعان الديمقراطية في ملف أموال البلديات الذي حوّله الى ملف آل كنعان؟ وهل طبّق النائب آلان عون الديمقراطية في ترشحه؟ يلاحق الوزير الناشطين إلى آخر الدنيا في حين انّ نواب الـ 2005 لا يفعلون شيئاً سوى نصب المكائد بحق بعضهم بعضاً، أحد منهم لم يعمل على صعيد الحزب على رغم انّ الفرصة كانت سانحة أمامه لانشغال باسيل في العمل الوزاري؟

انّ التباين بين جبران وآلان يدور في شكل أساسي حول تجيير باسيل الوزرات لمصلحتة؟ على رغم أنّ ذلك كما يقول محبّو ابن البترون ليس صحيحاً، فهو قدّم لجزين 20 مليار ليرة كمشاريع وكذلك قدّم لجبيل وكسروان مشاريع ضخمة، ووقع عقوداً باسم وزارة الطاقة مع زياد عبس على رغم الاختلاف في الرأي والنهج بينهما، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ النواب كانوا يريدون أن يقبضوا الأموال بأنفسهم، فهم لا يحبّذون ان يتعاطى باسيل مباشرة مع مسؤولي المناطق والأقضية، ومع لجنة البلديات، لأنّ من شأن ذلك ان يهمّشهم.

التنافس على أشدّه. يؤكد نعيم عون انّ النائب عون حصل في 2013 على 65 في المئة من الأصوات في مقابل حصول التيار على 50 في المئة من الأصوات، وهذا معيار يجب ان يؤخذ في الاعتبار، أضف الى ذلك انه يلعب دوراً نيابياً وتشريعياً جيداً، في المقابل تعتبر دوائر باسيل انه لا يحق لنائب أو وزير أثبتت الإحصاءات انه حصل على نسبة عالية من الأصوات ان يصبح رئيساً، ووزيرالثقافة السابق غابي ليون خير دليل على ذلك، فرصيده الجيد لم يؤهّله لإحداث شعبية له في الوزارة أو خارج الوزارة.

يؤكد كثيرون داخل التيار البرتقالي أنّ تكتل آلان عون يبدي خشيته على المقاعد النيابية على رغم انّ مقرّبين من باسيل يعتبرون انه لو لم يكن جبران راضياً عن هؤلاء في عام 2005 لما كانوا تبوأوا الكرسي النيابي، وها هم اليوم فتحوا المعركة ضدّه ليتحمّلوا المسؤولية، فالحملة التي يشنها النائب كنعان في الكواليس مردّها إلى انه لا يستطيع ان «يقلّع» مع جبران. في المقابل يجزم كثيرون انّ القوي يجد نفسه اينما كان؟ فهل يمكن لباسيل صناعة أشخاص في هذه الظروف أفضل من كنعان وعون وأسود وأبي رميا وخلق الحيثية التي شكلها هؤلاء بعد عشر سنين في فترة قصيرة وفي ظروف صعبة؟

«مصائب قوم عند قوم فوائد». يؤكد المقرّبون من باسيل ان هذه الانتخابات جمعت آلان وحكمت بعد خلاف استمرّ منذ عام 2006، وربما تعيد بعض الكوادر التي ابتعدت نتيجة تطيير نعيم عون وآلان عون لها كنصرالله وانطون خوري حرب، الى العمل من جديد.

واذا كان مقرّبون من باسيل ينقلون عنه انّ الاحزاب تتعاون مع الرجل القوي في التيار الوطني الحر، وانّ التعاطي مع الجنرال عون لم يكن من منطلق عاطفي او ايديولوجي انما من منطلق أنه الرجل الأقوى في الوسط المسيحي، فإنّ التكتل العوني يُجمع انّ الأداء السياسي لجبران وعلاقاته مع كل من رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية وحزب الله والطاشناق ليست جيدة وأن الجميع لديه مشكلة مع جبران. ولن يبقى التيار الأقوى مسيحياً مع جبران، فعلى رغم كلّ الخيارات الصائبة التي انتهجها العماد عون مقابل خيارات رئيس حزب القوات سمير جعجع الخاطئة، لم نتفوّق على «القوات» إلا بفارق نقطة أو نقطتين، فكيف الحال مع وصول جبران الى ميرنا الشالوحي. ان نجاح باسيل في المهمات التي أوكلت إليه لا تخوّله ان يكون رئيساً للتيار، وإنّ أضعف الإيمان ان ينجح وزير الخارجية في عمله، فالظروف التي أعطيت له لم تعطَ لأحد من زملائه الوزراء والنواب، على رغم أنه تقاعس في الكثير من الأمور الادارية. ونتائج انتخابات عام 2009 أظهرت انّ هناك خللاً كبيراً، فنعيم عون حاول يومذاك استنهاض الوضع الداخلي والتأسيس لعمل جديد ووضع خطة في المناطق، بيدَ انّ هذه الخطة لم تستكمل على النطاق الاداري من قبل الوزير باسيل في الوزارات والأداء السياسي، لأنّ الهمّ الأول والأخير عند الوزير البتروني أن يصول ويجول بين عواصم العالم، فبدل الذهاب الى اقاصي الأرجنتين للطلب من المغتربين العودة الى لبنان، كان الأجدى والأجدر به ان يعمل لوضع حدّ للهجرة من لبنان وان يزور المسيحيين في معلولا وصدد وحلب وصيدنايا والحسكة وعدم الاكتفاء بالحديث عن حماية المسيحيين في المشرق.

وفي ظلّ هذه المعمعة البرتقالية يبقى الحلّ والربط عند العماد عون الذي يريد ان يؤسّس ويترك حزباً للقاعدة العونية التي تجمع على انها مع الجنرال وتحت سقفه. ويبدو انّ هناك مساعي ومحاولات للوصول الى حلّ يضمن رؤية للمستقبل والتضامن للمحافظة على التيار البرتقالي الذي أحدث «تسونامي» في عام 2005، وان تجري الانتخابات تحت سقف الديمقراطية بعيداً من الخلافات الشخصية بصيغة ناجحة، تدور حولها عائلة التيار الوطني الحر.

يريد العونيون ان تكون التجربة التي يخوضها التيار تجربة نموذجية، لا سيما انّ انتخابات الرئيس تجري من القاعدة الشعبية العونية، ومن هنا يدعو هؤلاء الى ان يستكمل ذلك في المجالس السياسية والتنفيذية، وان يتمّ اللجوء الى التصويت لحسم الخلافات على غرار ما تعتمده الأحزاب المتطوّرة في دول العالم. وفي هذا السياق يؤكد النائب كنعان انه اذا وجد في ترشحه مصلحة للتيار فلن يكون بعيداً فهو في خدمة القضية والتيار، على رغم انه ليس في هذا الوارد.

ولكي لا «تكبر الخسة» في رأس أحد من المرشحين، يفضل ويتمنى العونيون ان لا يحصل ايّ مرشح على اكثر من 55 في المئة من الأصوات، لكي يجهد الرئيس المرتقب للحفاظ على هذه النسبة ومضاعفتها، فاذا حصل على 75 في المئة على سبيل المثال، عندها لن يرى أحداً، وسينعكس الأمر سلباً وتراجعاً شعبياً على الأرض.