يبدو ان لاشيء يفعله او يمكن ان يفعله المسيحيون في لبنان إلا الصلاة علها وحدها تستجيب وتحقق مطالبهم وتحميهم في هذا الشرق التعيس من جراء تسلل الارهابيين العابثين بهويته وديموغرافيته والذين يستهدفون الأقليات فيه، بتلك الخلاصة تفسر اوساط ارثوذكسية حال المسيحيين الذين لم يعد يجدي معهم الا الصلاة، فلا زعيم الموارنة «ميشال عون» استطاع ان ينتزع توافقاً دولياً وداخلياً على انتخابه رئيساً ولا مصالحته مع سمير جعجع انتجت رئيساً يملأ الفراغ والصدى الكامن في بعبدا، ولا تمكن عون من فرض التعيينات وها هو شبح التمديد لرئاسة الاركان في 8 آب يطل برأسه وبعده التمديد لقائد الجيش الموقع الماروني الثالث في الجمهورية، وعليه لم يعد امام المسيحيين الا عقد المؤتمرات لملء الفراغ وعلّ الصوت المسيحي يودي، وفي هذا الاطار اتى مؤتمر مسيحيي الشرق على رغم اقتناع كل الفاعلين بأن لا امل من مثل هذه المؤتمرات التي تزيد جروحاً اضافية عندما تستعرض وقائع مسيحية بالارقام والتفاصيل عما حل بالمسيحيين في لبنان.

ومن القضايا المسيحية التي تشغل الوجدان والاهتمام المسيحي طبعاً بعد المخاوف التي تتربص بالمسيحيين اللبنانيين من جراء تعاظم سيطرة «داعش» في سوريا والعراق وما حل بالمسيحيين في نينوى ومعلولا وتحول لبنان الى اكبر تجمع مسيحي قضية خطف المطرانين التي طالت بدون ان تلوح اي بوادر او معلومات، في 22 نيسان 2014 اختطف المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي قرب الحدود التركية بين حلب والحدود التركية السورية على يد عصبة الانصار، التنظيم الذي اختفى واضمحل ليحل محله تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتردد انه يحتفظ منذ ذلك الوقت برجلي الكنيسة الأرثوذكسية كما تتناقل الروايات والمعلومات المتحدثة عن إختفاء المطرانين الارثوذكسيين.

مضى ثلاثة اعوام ونصف العام تقريباً على اختفاء المطرانين تقول الاوساط، دون ان تتوفر معلومات حيثية وواقعية او دلائل حسية تشير الى اماكن تواجدهما او مجرد بقائهما على قيد الحياة فلا صور ولا تقارير ولا مطالب للخاطفين ولم تتبن اي جهة خطفهما رسمياً ولم يطالب احد بمبالغ مالية او فدية، ولا طرح احد مبادلتهما بمعتقلين على غرار ما يحصل مع العسكريين المحتجزين لدى «داعش» والنصرة.

يختلف ملف خطف المطرانين عن اي ملف خطف آخر، فالجهات التي خطفت المطرانين وسلمتهم «لتنظيم الدولة الإسلامية» لم تفصح ولا مرة عن مطالبها وما تريده ولم تطالب بمبالغ مالية او بالإفراج عن ارهابيين محتجزين في السجون السورية او في لبنان، مما جعل الملف محوطاً بالكثير من الغموض وعدم الوضوح.

وتضيف الاوساط ان اختطاف المطرانين لا يشبه قضية موقوفي أعزاز ولا راهبات معلولا، فهو الى حد ما حتى الساعة اقرب الى لغز لا احد يملك حل شيفراته بعد، والخوف الاكبر انه اقرب الى لغز إختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الذي طال سنوات طويلة تخللها صمت مطبق وغياب المعلومات، وهذا اللغز اطلق تكهنات و فتح الباب امام انطلاق مساحة واسعة من الشائعات وطرح العديد من السيناريوات والاحتمالات، فمنها من تحدث عن وجود المطرانين لدى «تنظيم الدولة الإسلامية» الذي ينتظر توقيتاً معيناً او تبدل ما في مجرى الاحداث ليكشف عن مطالبه، ومنها من تحدث عن سوء لحق باحد المطرانين وادى الى وفاته، فيما تحدثت معلومات عن بقاء المطرانين على قيد الحياة مع الإشارة الى ان احدهما يمر بظروف صحية معقدة نتيجة اصابته بارتفاع الضغط وامراض القلب، ومن السيناريوات المتداولة ايضاً ان المطرانين بخير وبصحة جيدة وان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تبلغ عبر جهات معينة انهما لا يزالان على قيد الحياة.

على ان اوجه الاختلاف بين خطف المطرانين وعمليات الخطف الاخرى كثيرة تضيف الاوساط، فـقضية مخــطوفي اعزاز لم تتجاوز العام والنصف وراهبات معلولا لم تصل الى ثلاثة اشهر، وفي كلتا الحالتين كان هناك تواصل مع الخاطفين وتصوير فيديو ووثائق تؤشر الى بقائهم احياء اضافة الى مطالب للخاطفين وجهات مفاوضـة، في حين ان خاطف المطرانين لقي حتفه بعد فتـرة والجهة التي اختطفت المطرانين اي «عصبة الانصـار» قامت بتسـليـمهم الى «داعش» التي كـــانت في طور نموها في حيـنه، وهذه المؤشرات تدل الى تعقيدات الملف كما ان المعلومات المستقاة من عدة مصادر تؤكد الى ان مكان احتجازهما تبدل كثيراً لضرورات واسباب امنية ولوجستية تتعلق بسير المعارك والقتال وحيث على الارجح انهما احتجزا لفترة طويلة في الرقة السورية وتحديداً في جرودها.

وفي حين تقترب قضية العسكريين المخطوفين لدى «النصرة» في بعض الاحيان من الحل وتكاد تلامس النهاية حيث تتوقع اوساط خاتمة سعيدة لهذا الجرح المفتوح منذ فترة، فان ملف المطرانين هو اكثر تعقيداً وقد سبق للبطريرك يوحنا العاشر ان قام بجولة على فرنسا ودول الخليج، إضافة الى اتصالات اجرتها جهات امنية ورسمية بقطر وتركيا لم تصل الى المستو ى المطلوب في ظل الغموض واللغز المحير للقضية.