ليست الهموم التي ألقت بثقلها على المجتمع اللبناني والرغبة بالهروب منها هي السبب الوحيد لإنتشار ظاهرة تعاطي الأدوية المهدئة وإرتفاع منسوب بيعها في الصيدليات، بل هي السهولة التي باتت تسمح للمواطن بالحصول على هذه الأنواع من الأدوية بوسائل سهلة ومتعددة.

فلتان في قطاع الأدوية

صحيح أن القانون اللبناني لم يسمح للصيدليات ببيع الأدوية المهدئة إلى أي كان وبطريقة عادية، وهو حتّم على كلّ مريض أن يحمل وصفة طبية من الطبيب تحمل إسم الدواء ومدّة إستعماله على أن يحتفظ الصيدلي بالوصفة وإلا فإن بيعه الى هؤلاء مستحيل. إلا أن هذا الأمر لا يحصل، وإرتفاع بيع الأدوية المهدئة في الصيدليات هو أكبر دليل. وهنا يقرّ نقيب الصيادلة ​ربيع حسونة​ عبر "النشرة" بأن "هناك فلتاناً في قطاع الأدوية وعدم إنتظام في بيعها"، لافتا الى أن "مراقبة بيع الأدوية في الصيدليات ليس من مهمة ​نقابة الصيادلة​ التي يقتصر دورها على التأكد من وجود صيدلي في الصيدلية، بل من مهام ​وزارة الصحة​ التي يقع على عاتقها مراقبة الأدوية المهدئة للأعصاب التي تدخل وتخرج من الصيدلية ومطابقتها مع الوصفات الطبية الموجودة في الصيدلية وهذا الأمر لا يطبق بالطريقة المهنية الصحيحة". أما طبيب الأعصاب ​فؤاد طحان​ فيلفت إلى أنّ وزارة الصحة باتت مؤخراً تقوم بمراقبة الصيدليات بشكل أكبر.

كما يروي أحد الصيادلة وقد فضّل عدم ذكر إسمه لـ"النشرة" المشاكل الكثيرة التي يعانيها جراء رفضه إعطاء أدوية مهدئة لأي شخص دون وصفة طبية، أو إذا شكّك بأن الوصفة قد تكون مزورة، ويشير الى أنه "يدعي حينها إنقطاع الدواء لديه منعاً للمواجهة مع المريض لأنه وفي حال أدرك الأخير عدم رغبة الصيدلي بإعطائه الدواء فإنه قد يلجأ الى العنف اللفظي والجسدي وأخذه بالقوّة".

سبل التحايل!

يشرح حسونة السبل العديدة التي يتمّ فيها التحايل على القانون من أجل بيع تلك الأدوية، لافتا الى أن "بعض المستوصفات قد تلجأ الى شراء دفتر وصفات وعندما يأتي أحد المرضى طالباً دواء مهدئاً للأعصاب تبيعه إياه على ان تقوم بملء الوصفة لتقدمها الى المراقب بوزارة الصحة". ويضيف: "بعض المرضى قد يقومون بزيارات لأكثر من طبيب أخصائي ويحصلون على عدة وصفات طبية تخولهم شراء كميات اكبر من الأدوية". وبهذا الخصوص يؤكد طحان أن "هناك بعض الصيدليات لا تقبل اعطاء الدواء دون وصفة طبية فيما هناك صيدليات أخرى ترفع سعر الدواء المهدئ للأعصاب إذا كان المريض لا يحمل وصفة طبية من أجل أن تحضرها هي".

فساد شركات الأدوية؟!

لا يقتصر الفلتان على الصيدليات والزبائن، فأيضا لشركات الأدوية دور مهمّ في هذه المسألة، وهنا يعتبر حسونة أنهم "الأكثر فساداً إذ لا أحد يراقب الكميات التي يبيعونها"، ويعتبر أن "القانون المخصص لبيع الأدوية لم يعد ذا قيمة في ظل الفلتان في هذا القطاع"، وهنا يضيف: "المخيمات الفلسطينية للاسف باتت مصدراً أساسياً للحصول على الأدوية ومنها المهدئة للأعصاب، فمن يأخذ الحبوب المهدئة بكميات كبيرة ولا يستطيع شراءها من الصيدلية يحصل عليها عبر المخيمات والاحياء اللبنانية البعيدة عن يد الدولة وهنا لا حدود للكميات التي يمكن إحضارها"، ويسأل "كيف تدخل تلك الكميات الى تلك المناطق ومن يسهّل هذا الأمر؟"

الأدوية المهدئة للأعصاب انتشرت بشكل أكبر في الأسواق اللبنانية وبحسب الإحصاءات التي حصلت عليها "النشرة" فإن الكمية المستهلكة للأدوية النفسية في العام 2014 هي 933 كلغ و 476 غ. وهنا يلفت طحان الى أن "الأدوية النفسية أو الأدوية المهدئة للأعصاب إذا استعملها المريض بعد إستشارة طبيب وبالكمية التي حددها له فهي تساعده على الشفاء، ففي النهاية هذه الأدوية وجدت لنستعملها ولكن في حال أتى إستعمالها بطريقة خاطئة وعشوائية فإنها قد تؤدي الى الوفاة في بعض الأحيان"، ويشدّد على أنه "في بعض الأحيان يلجأ الأشخاص الى تناول الأدوية المهدئة للأعصاب بعد أن ينصحهم بها مثلاً أحد الجيران أو الأقرباء، وتدريجياً تزداد الكمية التي تناولونها هذا الأمر قد يؤدي بهم الى أخذ جرعات زائدة تسبب الغيبوبة او الموت".

بديل عن المخدرات

ويلفت طحان الى أن "البعض قد يلجأ الى تناول الأدوية المهدئة للأعصاب ليعوّض عن النقص في الحبوب المخدرة التي أدمن عليها وانقطعت عنه لسبب أو لآخر"، لافتاً إلى أنه "إذا كان الشخص يتعاطى الهيرويين قد يتناول علبة مهدئات دفعة واحدة ولا يشعر بأي شيء لأن مفعول هذه الأدوية والمخدرات في منطقة معينة في الدماغ هو نفسه، وهنا تكمن الخطورة في تناول الأدوية النفسية عشوائياً وضرورة مراقبة كيفية خروجها ودخولها من الصيدليات".

الأسباب وطرق العلاج

يشرح طحان أن "المشاكل النفسية هي الأساس في تعاطي الأدوية المهدئة للأعصاب"، لافتاً الى ان "بعض الأشخاص يشعرون بخجل إجتماعي شديد فيبدأ بتعاطي المهدئات لزيادة ثقته بنفسه، ومن بعدها قد يلجأ للكحول، وإذا لم تتم معالجة هذا المرض سيستمر بتناول المهدئات وشيئاً فشيئاً سيزيد الكمية الى ان يصل الى حدود الإدمان".

وأخيرا يبقى ان نقول ان لكل هذه المشاكل علاجات خاصة بها. هذا ما يؤكده طحان، لافتاً الى أن "العلاج ليس سهلاً ويستلزم وقتا لكن المريض ينجح بتخطي مرضه إذا كان يملك الإرادة"، مضيفاً: "نبدأ أولا بالتفتيش عن سبب المشكلة ونستشير طبيباً نفسيا إذا لزم الأمر ومن ثم نصف للمريض أدوية بديلة للمهدئات والتي تعمل بطريقة أخرى ولا تسبب الإدمان وشيئاً فشيئاً ينجح المريض بتخطي مشكلته النفسية والتخلي عن الدواء وبالتالي التخلص من الإدمان".

الأدوية المهدئة للأعصاب انتشرت بشكل كبير وباتت بمتناول الجميع رغم أنها وبالقانون ممنوعة إلا ضمن شروط معينة ووصفة طبيّة، من هنا تأتي اهمية مراقبة هذا القطاع بطريقة اكبر نظرا للخطر الكبير الذي تمثله هذه الادوية على المجتمع وخاصة على عنصر الشباب فيه.