بدأت بعض الأوساط السياسية تتخوّف مِن أن تُكوِّن الأزمةُ الراهنة التي تعيشها البلاد توطِئةً لأحداثٍ آتية قد يتعرّض معها الاستقرار الأمني لهزّات كبيرة، لأنّ الواقع الذي بدأ يَسود في المنطقة بعد الاتّفاق النوَوي بين إيران والدوَل الغربية يَشي بأنّها متّجهة إلى جولة تصعيدٍ واسعة النطاق.

تتخوّف هذه الأوساط من أن يكون خلف أزمة النفايات التي تزداد حدّةً يوماً بعد يوم، على رغم كلّ المعالجات الجزئية التي تتّخذها، محاولةُ البعضِ تفجيرَ الملف الحكومي لفرضِ أمرٍ واقع جديد يَفرض على الجميع الاستعجال في إنجاز الاستحقاق الرئاسي لتلافي فراغٍ شامل يمكن أن ينجمَ عن استقالة الحكومة تحت وطأة ضغط الشارع الذي يَغلي حاليّاً بفعل تكدُّس أكوام النفايات فيه مهدِّدةً صحّة اللبنانيين بأخطار فادحة.

وتشير الأوساط نفسها الى أنّ البعض ربّما يكون استغلّ ملفّ النفايات المأزوم منذ زمن أصلاً، ليواجه العناوين السياسية التي تطرَحها قوى سياسية تحت عناوين اجتماعية، الأمر الذي قد يفجّر الحكومة ويُسقِطها، لأنّ رئيسها تمّام سلام الذي ينتهج سياسة التوافق والاستعانة بالصبر على مواجهة الملمّات، قد يكون لصَبره حدود،

ويذهب بعدها إلى إعلان استقالتِه في وجه الجميع، ويَضعهم أمام مسؤولياتهم، لأنّ حكومته ستتحوّل حكومة تصريف أعمال، ولن يكون في الإمكان تأليف حكومة جديدة إلّا بَعد انتخاب رئيس جمهورية جديد. في حين يَعرف القاصي والداني أنّ انتخاباً من هذا النوع لا يمكن حصوله إلّا نتيجةً لتوافقٍ ما على شخص الرئيس العتيد، وهو توافُق ذو وجهَين، محَلّي، وإقليمي ـ دولي، ولكن لا مؤشّرات حتى الآن على أنّه سيتوافر قريباً.

وإذا كان البعض يعوّل على الحراك الفرنسي الحالي في اتّجاه إيران لتحريك ملف الاستحقاق الرئاسي نحو الإنجاز، فإنّ عليه أن يعوّل أيضاً على أن يتوسّع هذا الحراك ليشمل المملكة العربية السعودية أيضاً.

ولكنّ الواضح الآن هو أنّ الاستحقاق الرئاسي ليس موجوداً في جدول أولويات الرياض وطهران اللتين لم تخرجا بعد من دائرة القول إنّ هذا الاستحقاق شأنٌ داخليّ لبناني، وأنّهما تؤيّدان ما يتّفق عليه اللبنانيون، وهذا الموقف يدلّ على أنّهما لا تعيران هذا الأمر اهتماماً في هذه المرحلة، فيما المشهد السائد في المنطقة حاليّاً يشير إلى أنّهما ذاهبتان إلى اشتباكٍ كبير بينهما على أكثر من جبهة إقليمية، إذ يبدو أنّ أوانَ الجلوس إلى طاولة المفاوضات لم يَحِن بعد.

لكنّ البعض يقول إنّ البلدين على رغم هذا الاشتباك بينهما في الإقليم حريصان على الاستقرار اللبناني، ولو كان الأمر عكسَ ذلك لكانَ الحوار الجاري بين تيار «المستقبل» بما يمثّل وحزب الله بما يمثّل قد توقّفَ أقلّه منذ اندلاع حرب «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن.

ولذا فإنّهما ليستا بعيدتين عن الحراك الفرنسي في شأن رئاسة الجمهورية اللينانية في اتّجاههما، فوزيرُ الخارجية لوران فابيوس الموجود في طهران حاليّاً سيزور الرياض لاحقاً، وهو يمهّد في حراكه هذا للزيارة التي قرّرَ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن يقوم بها إلى لبنان بعد بضعة أشهر، ما يَعني أنّ انتخاب الرئيس لن يحصل قبل أواخر السنة، اللهمّ إلّا إذا حصلت تطوّرات مفاجئة وأدّت إلى حصول هذا الانتخاب في مهلةٍ أقصاها أيلول المقبل، حسب التوقّعات الرائجة في كثير من الدوائر والأوساط السياسية منذ إعلان الاتفاق النهائي على الملف النووي الإيراني في فيينا أخيراً.

ويَعتقد سياسيّون أنّ كلّ الخلافات السياسية الدائرة حاليّاً والتي تعَطّل انعقاد جلسات مجلس الوزراء لم يعُد سببها الاستحقاق الرئاسي وانعدام التوافق على شخص الرئيس العتيد فقط، وإنّما تعَدّته لتشمل رئاسة الحكومة الأولى في عهد هذا الرئيس، والتي بدأ يَستعدّ لها مرشّحون كثُر مِن داخل فريقَي 8 و14 آذار وخارجهما، إلى درجةِ أنّ بعض هؤلاء المرشّحين بدأ يحاول مواءمة مواصفاته مع طبيعة المرحلة المحلّية والإقليمية والدولية التي فرضَها وسيفرفضها الاتّفاق بين إيران والدوَل الغربية، وتحديداً بينها وبين الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك بينها وبين المملكة العربية السعودية.

وقد بات يَحلو للبعض القول إنّ استقالة الحكومة السلامية وتحَوّلها حكومة تصريف أعمال لن يؤثّر سَلباً في الواقع، لأنّها في وضعها الحالي هي أشبَه بحكومةِ تصريف أعمال في نظر بعض المراجع والقوى السياسية، نتيجة الخلافات التي تعصف بين القوى السياسية المشاركة فيها، تارةً حول آليّة اتّخاذ القرارات في ظلّ الشغور الرئاسي وممارستها صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة، وطوراً حول التعيينات العسكرية، وحاليّاً حول ملف النفايات الذي بات ملفّاً سياسياً بامتياز أيضاً.

على أنّ ما يثير المخاوفَ على مستقبل الأوضاع هو أنّ بعض القوى السياسية عادت إلى رهانات معيّنة على مستقبل الوضع السوري في ضوء الانقلاب التركي المفاجئ على تنظيم «داعش» والذي يُخشى أن يكون مُبطِناً نيّات تركية وغير تركية لإقامة «منطقة عازلة» على الحدود الشمالية لسوريا لتكونَ موطئَ قدمٍ للمعارضة السورية المقيمة في الخارج والتي يُراد لها أن ترثَ «داعش» وأخواتها وتحجزَ مقعداً متوازناً لها في أيّ حوار أو مفاوضات مستقبلية مع النظام للاتفاق على حلّ للأزمة السورية.

بل إنّ هذه القوى تراهن على أن يكون هذا الانقلاب التركي توطئةً لمعركةٍ كبرى ضدّ النظام أو لإجبار رئيسه على التنَحّي استجابةً لمطالبةِ بعض الدوَل العربية والغربية كمقدّمةٍ لحلّ الأزمة السورية.