تعمَّد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الحديث في وضوح عن زيارة حتميّة له إلى لبنان خلال الأشهر المقبلة وعن الأزمة الرئاسية فيه، قبل سفر وزير خارجيته لوران فابيوس الى طهران.

أراد هولاند بكلامه هذا أن يُعطي دفعاً قوياً للملفات التي يحملها فابيوس وفي طليعتها الملف اللبناني، علماً أنّ وزير الخارجية الفرنسية سيطرح الملف اللبناني ومعه ملفات المنطقة بالتفاهم مع الدول الخمس التي شاركت الى جانب فرنسا في مفاوضات الملف النووي. وبعبارة أوضح، سيحضر فابيوس في طهران ممثلاً عن الدول الست وليس ممثلاً لبلاده فقط.

هولاند تحدّث علناً عن زيارة لبنان خلال الاشهر المقبلة بعدما كان قد صارح الذين التقوه وبعض هؤلاء من اللبنانيّين، بأنه يجرى إعداد خريطة طريق لأزمات الشرق الاوسط سيستفيد منها لبنان حكماً، ما يعني أنّ زيارته يجب أن تأتي تتويجاً لتسوية لا بدّ من أن تكون قد حصلت.

وفي دلالة أُخرى لا تقلّ أهمية، جاءت دعوة هولاند الرئيس الايراني حسن روحاني لزيارة باريس في تشرين الثاني المقبل لتؤشّر الى نية فرنسا إنجاز تقدّم حاسم في شأن لبنان قبل نهاية السنة، إذ إنّ من المفروض حصول هذه الزيارة في أجواء سياسية ملائمة.

فرنسا التي كانت قد سجّلت إنجازاً مع إيران حول لبنان حين نجح موفدها جان فرنسوا جيرو في انتزاع موافقة طهران ودعمها لتأليف حكومة الرئيس تمام سلام وتذليل الاعتراضات التي كان يبديها «حزب الله»، أجرت طوال الاشهر الماضية مقاربات مختلفة في شأن طريقة إنجاز تسوية حول الملف اللبناني، وذلك من خلال خلية شكّلتها وضمّت ديبلوماسيين خبراء في شؤون الشرق الاوسط، وتحديداً في الشؤون الايرانية.

وقد خلصت هذه الخلية الى تأكيد استحالة فكفكة العقد اللبنانية وضمان مساعدة ايران إلّا من خلال فتح الملف السوري أيضاً، حيث لإيران و»حزب الله» مصالح حيوية تتعلق بهواجس المستقبل والمخاطر الامنية والوجودية.

وتوافقت باريس مع واشنطن على أن يتولّى فابيوس طرح الملفين السوري واللبناني جنباً الى جنب في طهران والاستماع الى وجهة النظر الإيرانية في هذا المجال.

والتوقعات الفرنسية التي سبقت وصول فابيوس الى طهران، هي أنّ المسؤولين الايرانيين سيعطون أجوبة يغلب عليها الطابع العام مرفقة بدعوتهم المسؤولين الفرنسيين إلى لقاء مسؤولي «حزب الله» والوقوف على وجهة نظر «الحزب» كونه المعني المباشر بالموضوع، مع الاشارة الى أنّ إيران ستحاول المساعدة مع «حزب الله»، وستدعو فرنسا في المقابل إلى التدخل مع الأفرقاء اللبنانيين الذين لديها تأثير عليهم.

وعلى عكس التصريحات الفرنسية التي توحي بالايجابية، لا تزال الاوساط الديبلوماسية الغربية حذرة جداً تجاه المنحى الذي ستسلكه الامور، خصوصاً أنّ التعقيدات والأزمات تكاد تخنق الساحة اللبنانية وتُهدّد الواقع الحكومي.

وفيما طلبت واشنطن من سفيرها في بيروت ديفيد هيل تأجيل رحيله لأسابيع معدودة لمتابعة تطورات الواقع الحكومي في لبنان، طلب السفراء الغربيون من سلام عدم إتخاذ أيّ خطوة تُهدّد الواقع الحكومي مثل الاستقالة، وانكبت هذه الاوساط على متابعة خلفيات التظاهرات الحاصلة، ولا سيما منها تلك التي وصلت الى منزل سلام، وما اذا كان هنالك من نيات سياسية لإحراجه ودفعه إلى الاستقالة.

وعلى عكس التقديرات التي كانت سائدة، تُدرك هذه الاوساط أنّ لـ»حزب الله» مصلحة في «تطيير» الحكومة في ظلّ الحسابات الاقليمية الجديدة بهدف توسيع «بيكار» التفاوض في لبنان والبحث عن صيغة جديدة كاملة في موازاة البحث عن سوريا الجديدة.

وبدا أنّ النصيحة التي كان السفير الاميركي قد ردّدها لجهة ضرورة وضع سياسة التحدّي جانباً واستيعاب البنود الخلافية كانت في محلها. يومها رأى السفير الاميركي أنّ من الافضل استيعاب المشكلة بدلاً من مواجهة العماد ميشال عون و»مساعدة « «حزب الله» على وضع ملف «اتفاق الطائف» على طاولة النقاش.

وتُدرك الأوساط الديبلوماسية أنّ الضغط الديبلوماسي وحده قد لا يكون كافياً لإنجاز تقدّمٍ ما على المسارَين اللبناني والسوري. وهناك مَن يضع التدخل التركي شمال سوريا في إطار الضغط الميداني في وجه إيران.

ويبدي هؤلاء في الوقت نفسه قدراً لا بأس به من القلق حيال إحتمال تأثر الاستقرار الداخلي في لبنان طالما أنّ اللعبة بدأت تدخل في منعطفات قوية.

ويروي الديبلوماسي الاميركي العتيق والخبير في شؤون الشرق الاوسط مارتن انديك في كتابه الاخير «أبرياء في الخارج»، أنّ واشنطن رأت في الحرب بين العراق وإيران عام 1980 فرصة لاستنفاد قوة هذين البلدين اللذين يشكلان خطراً على استقرار البلدان المجاورة لهما.

وأنّ واشنطن ساعدت العراق تكنولوجياً واستخبارياً في مراحل عدة من الحرب لإلحاق الهزيمة بإيران. لكن ومع خسارة إيران الحرب، وجد العراق نفسه قوّة عسكرية هائلة تستند الى جيش يضمّ مليوناً و200 الف جندي، فكان لا بدّ من إيجاد الوسائل الجديدة لإعادة إضعاف العراق عسكرياً حتى لو تطلّب ذلك التعاون مع إيران ضماناً لسياسة التوازنات المطلوبة دائماً في الشرق الاوسط.

اليوم تخرج إيران قوّة هائلة بعد إقرار الاتفاق النووي والإقرار بنفوذها الكبير، فهل ما زالت واشنطن تعتمد استراتيجية التوازن في الشرق الاوسط؟ وهل هذا سيعني إعادة إنعاش نفوذ خصوم إيران مثل تركيا والسعودية؟

ألا يعني شيئاً كلامُ رئيس أركان الجيوش الاميركية أنّ الحرب على «داعش» ستستمرّ عشرين سنة؟ والأهم ما هو تأثير ذلك على الساحتين السورية واللبنانية؟