في حمأة أزمة النفايات، في بيروت والضواحي والجبل، وما تخلّلها من مناورات تُطرح أمامها عشرات علامات الاستفهام، خصوصاً أن هذه المناورات تُوِّجت بـ"الذخيرة الحية" لحراك شعبي تحت عنوان "منع نقل النفايات إلى إقليم الخروب"، فتمّ بسرعة قطع أوتوستراد الجنوب، بما فيه الطريق الساحلي القديم، عند منتصف ليل السبت - الأحد الفائت لمدة تجاوزت الـ48 ساعة، وبالتالي نجحت "ذخيرة الزبالة" في ما عجزت عنه جماعات مسلحة وتكفيرية في السابق في مناسبات مختلفة على مدى السنوات الخمس الأخيرة.

ليست بريئة أزمة النفايات وافتعالها في هذه الظروف الدقيقة، التي ذهب بعض "ايديولوجيي" و"منظّري" 14 آذار إلى ربطها بالتطورات النووية الإيرانية، وبالأزمة السورية، وحرب السعودية على اليمن، دون أن ينسى بالطبع التطوّر التركي، وتحوّل رجب طيب أردوغان، وإعلانه "الخصام" مع "داعش".

يذهب السياسي "المنظّر" في جماعة 14 آذار إلى سرد معلوماته (يقول عنها إنها معلومات وليست تحليلاً)، فيؤكد أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية يدير محركات ضغطه بأقصى سرعتها، وبقوة صدمها التي يصفها بغير السهلة، للتأثير على الكونغرس، لعدم تمرير الاتفاق النووي بين طهران والدول الست الكبرى.

ويشطح به الوهم أو الخيال إلى التشديد على أن العمل جارٍ ليفرض على واشنطن تغطية عمليات عسكرية صهيونية ضد إيران والمقاومة في لبنان وسورية، وربما أكثر.

ويدخل هذا المنظّر بسرد معلوماته عن التحضيرات الميدانية في هذا المجال، بأن قيادة الأركان في جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في حالة استنفار قصوى، وهي تجري المناورات المتلاحقة لحرب أو عمليات عسكرية واسعة ضد المقاومة، لأن الظروف حسب رأيه مناسبة تماماً؛ داخلياً وعربياً ودولياً.

فداخلياً، الظروف مؤاتية برأيه للعدو أكثر من عام 1982، حيث كان يومها طرف واحد مع العدو، أما اليوم فإن نسبة العداء للمقاومة وسورية واسعة جداً، ومن الأمثلة التي قدّمها على ذلك، قطع أوتوستراد الجنوب بـ"ذخيرة النفايات" مؤخراً، وبالقتلى اللبنانيين الذين يسقطون في سورية والعراق وهم يحاربون في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة.

ويذهب "الأيديولوجي" الآذاري إلى الأبعد، ليؤكد أن هناك حشداً عربياً ضد المقاومة، لم يستطع أن يعبّر عن نفسه في السابق، لا في حرب تموز 2006 ولا في أي مناسبة، كما هو حاصل الآن، حيث يسخَّر المال والإعلام والدعم بمختلف الأشكال ضد المقاومة وسورية ومعهما إيران، في نفس الوقت الذي نرى تنسيقاً عربياً - "إسرائيلياً" مباشراً وعملياً، يتجلى في أشكال مختلفة، وعلى عدة مستويات، سواء بلقاء مسؤولين استخباراتيين علناً وسراً، أو بغرف العمليات المشتركة، كغرفة "موك"، أو بتقديم الصور الجوية والمعلومات اللوجستية للجماعة الإرهابية المسلحة، ومعالجتهم في مشافي الدولة العبرية، ورعايتهم على أعلى المستويات، مذكّراً كيف أن بنيامين نتنياهو عاد مرة جرحى "جبهة النصرة"، بالإضافة إلى تفقّدهم من قبَل ضباط صهاينة كبار.

هذا "المنظّر" المسكون بالوهم وبظاهر الأشياء، لا يرى التحولات الهامة على مستوى الزحف الأوروبي نحو طهران لتوقيع اتفاقات وعقود معها؛ تجارياً ونفطياً واقتصادياً، ولا يرى تطورات الوقائع الميدانية في القلمون والزبداني، ولا في الجنوب السوري أو في الشمال، حيث الانتصارات النوعية التي تتحقق على مجموعات الإرهاب التكفيري، ما يراه فقط هو مايصفه بالتحوّل التركي ضد "داعش"، وإعلان أنقرة حسب قوله "الحرب على داعش"، ليخلص به الوهم والخيال إلى أنه "لن نرى في قصر المهاجرين" بعد هذا التحوّل "أبو بكر البغدادي" بل تابعاً للسلطات التركية، أو تابعاً لبائع الكاز العربي الكبير في الخليج، وفي كل الحالات برأيه فإن علاقات واسعة مفتوحة ستمتدّ من الرياض إلى عمّان إلى القدس المحتلة، وصولاً إلى بغداد وأنقرة، مع احتمالات واسعة لجغرافيا سياسية جديدة تتشكل، لكنه لا يرى بتاتاً المأزق التركي وعجز "حزب العدالة والتنمية" عن تشكيل حكومة جديدة، وشدة الانقسام الداخلي، وعودة المواجهات مع الأكراد، كما أنه لا يرى المأزق السعودي الكبير في حربه مع اليمن، والتي تدخل شهرها الخامس، وكل الإنجازات هي مزيد من الدمار والخراب وقتل الأطفال، وتحويل اليمن إلى حقل تجارب للأسلحة المحرّمة دولياً، والتي لـ"إسرائيل" حصة بارزة فيها، كحال قصف جبل نقم فوق مدينة صنعاء بقنبلة نيوترونية.

وحين يقال لهذا المنظّر إن معلوماتك سطحية، وهي مقاربات تستند إلى أحلام ووهم وخيال، لأنك لا ترى بتاتاً الانعكاسات التي يفرضها الاتفاق النووي على خارطة المعادلات والوقائع في المنطقة، وربما ما هو أبعد، ولا ترى الوقائع الميدانية في سورية والعراق، وحتى في اليمن، وإن مخاضاً هاماً يتطور في مصر سيتّجه نحو إعادة الاعتبار إلى أن الجيش الأول الذي هو الجيش السوري، من أهم اسباب حفظ الأمن القومي المصري، يسكت أو يخرس لا فرق ويحسمها بجملة عامة: غداً ستتأكد "صحة أوهامه المريضة".